أي مساعدة لليبيا؟

تخبط متصاعد وانعدام توازن وقصور عن المعالجة وعجز عن المواجهة، هي معالم التعاطي الليبي الرسمي مع تطورات البلاد، وآخرها وأهمها حالياً، المعارك الدائرة للسيطرة على مطار العاصمة الذي تعرض للقصف وتدمير معظم الطائرات الرابضة على مدارجه، في صورة جديدة تضاف إلى المشهد الغارق في سواد التناقضات وتضارب المصالح، وتحوّل البلاد إلى مجرد فريسة لإخوة أعداء داخلياً، وآخرين خارجيين .
ومع أن الأنباء المتناقلة عن الوضع في المطار، وفي البلاد بشكل عام، والتصريحات المنقولة على ألسن المسؤولين، لا يمكن أن تؤخذ على إطلاقها، ولا بد أن تقابل بشيء من التشكيك، كون تطورات الوضع في ليبيا على مدى السنوات الثلاث الماضية، حملت الكثيرين على إعادة النظر في مصداقية كثير من وسائل الإعلام، والناطقين الرسميين، وغيرهم من “شهود العيان” والمصادر غير المعلومة، أو التي ترفض الإفصاح عن اسمها .
المسميات لا تهم في كثير من الأحيان، فلا أحد يستطيع الوصول إلى حقائق توجهات الكثير من المليشيات المتوالدة في ليبيا، ولا إلى خلفياتها السياسية، ومرد ذلك أن الكثير منها بات مجرد وسيلة لإلغاء أي إمكانية لإنشاء دولة قائمة على المؤسسات، أو التأسيس حتى لمرحلة ما قبل الدولة في البلاد .
الأزمة متعددة الوجوه، لكن أبرز تلك هو المستوى الداخلي المثقل بتناقضات حاملي السلاح، وأغلبهم تورطوا في الحرب الدامية، والبقية ركبوا الموجة بعد الإجهاز على النظام السابق، والآن يحاولون أن يصوروا أنفسهم على أنهم “ثوار”، ولا أحد يعلم حقيقة توجهاتهم ونواياهم المبيتة تجاه البلاد .
بعيداً عن التفاصيل الميدانية التي تشكّل في معظم الأحيان متاهة لا متناهية الأزقة، وغير معلومة النهايات، يبدو التوجه الحكومي الليبي المعلن، فيما يخص بحث استدعاء تدخل دولي، تحت مسمى “طلب المساعدة” وبذريعة وضع حد للعنف، استنساخاً للهزائم الكثيرة السابقة التي ذاقتها هذه الحكومة وغيرها بسبب تغوّل المليشيا، وتصاعد سطوة السلاح المنفلت أمام عجز كامل عن ضبط الوضع الأمني، ومعالجة إفرازات مرحلة الحرب التي خلّفت فوضى شاملة .
المستوى السياسي يثبت مجدداً أنه غير مؤهل لقيادة المرحلة في ظل عجزه عن إيجاد الحلول، وقصور مقاربته إزاء التطورات التي تمر بها البلاد، ولعل أحد أبرز عناصر هذا العجز ليس لجوءه إلى طلب التدخل الخارجي وحسب، بل عدم تمكنه من إثبات ذاته أو تسويقها لليبيين لاكتساب شيء من الشرعية .
ليس مطلوباً من أحد استدعاء التدخل الدولي في ليبيا، كونه لم ينتهِ بعد للبحث عن غيره، ولأنه مستمر في العبث بمصير البلاد، وتحريك القوى المخترقة والمدعومة من قبله بما يتناسب مع مصالح الغرب، وبصرف النظر عن احتياجات ومطالب ومصالح الشعب الليبي، ما يتناقض مع محاولات كثير من تلك الدول نفي التورط في أزمات البلاد، ودحض الاتهامات بالمسؤولية عن تفاقمها .
الغرب بقيادة واشنطن يدرك تماماً أنه ليس معنياً بأي تدخل في الوقت الراهن، ومرد ذلك أنه لا يريد التحول إلى نموذج عراق ما بعد الغزو، أو أفغانستان، ويعرف أنه سبب مهم، إن لم يكن الأهم، في تحويل ليبيا إلى مرتع لمختلف حركات الإرهاب والتكفير والقتل، على اختلاف توجهاتها، ولذلك لن يجد “طلب المساعدة” أي رد يذكر، غير الإعلانات الكاذبة عن التضامن .
“الخليج” الإماراتية

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.