أبعد من الاتفاق الليبي

تتعلق أنظار الغالبية الساحقة من الليبيين بمنتجع الصخيرات المغربي حيث يفترض أن يتم التوقيع النهائي على اتفاق ترعاه الأمم المتحدة ويقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية بأسرع وقت للتفرغ لاحقاً لمحاربة الجماعات الإرهابية تحت مظلة شرعية ليبية جديدة ظلت محل نزاع بين الميليشيات والجماعات لسنوات وأدت بها في الأخير إلى انقسام حاد يستمر منذ عام ونصف العام.
قبل توقيع الاتفاق النهائي المقرر اليوم ساد انطباع كبير بأن هذا الاتفاق هو الفرصة الوحيدة لإنقاذ ليبيا، وهو يبدو كذلك لأن معظم الأطراف الليبية أصبحت مقتنعة بأن المجتمع الدولي ودول الجوار وخاصة الاتحاد الأوروبي نفد صبره فعلياً من استمرار الفوضى الهدامة. ومما لم يذكر في اجتماع روما وقبله اجتماع تونس حيث جرى توقيع «إعلان المبادئ» أن الأطراف الليبية بما فيها الحكومتان المتصارعتان تلقت رسالة دولية واضحة وصريحة تفيد بأن القوى الدولية لن تسمح بإفشال خطة الأمم المتحدة لحل الأزمة، والتي تعتبرها خطوة أساسية للانتقال للهدف الحقيقي وهو محاربة الإرهاب والقضاء عليه بعدما أصبح تنظيم «داعش» وجماعات موالية له حقيقة في وسط ليبيا على ساحل البحر المتوسط وتهديداً مباشراً قبالة أوروبا من الجنوب. وتفسر هذه الرسائل أن قرار تشكيل الحكومة الليبية الجديدة في غضون 40 يوما قد اتخذ بعيداً عن حسابات الأطراف المتصارعة في الداخل. وبرأي كثير من المتابعين توحي السرعة والمفاجأة التي تم بها الإعلان عن الاتفاق بأن هناك عملا ما ستكشف عنه الأسابيع المقبلة ولا يتعدى بداية التجهيز لحملة شاملة لضرب الجماعات الإرهابية المستشرية.

إقرأ أيضا: عاجل..الأطراف الليبية توقع الاتفاق النهائي خلال شهر ديسمبر الجاري

أكثر من مسؤول عربي وغربي طالب بسرعة التحرك ضد المتطرفين والميليشيات المتشددة، فوزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان أكد في آخر تصريحاته أن «داعش» بدأ يتوغل داخل ليبيا للسيطرة على الآبار النفطية والاحتياطات النفطية مما سيمكن هذا التنظيم من موارد مالية لتوسيع تمدده في ليبيا ومنطقة الشمال الإفريقي، وإن لم يصرح لودريان بأن هناك استعداداً للتدخل العسكري الخارجي واكتفى بالتأكيد أن الليبيين قادرون على وقف هذا التهديد إن هم اتحدوا، وتؤكد تقارير أن الاستعجال الأوروبي لإنهاء التهديد الإرهابي يتطلب مساعدة لوجستية كبيرة للحكومة الليبية المتوقعة، وهذه المساعدة مرشحة للتدخل العسكري المباشر سواء عبر غطاء جوي أو قوات خاصة.
حين يتم تنزيل الضغط على الأطراف الليبية لتشكيل حكومة جديدة وإنهاء الصراعات وضبط الأمن سيكون سياقه الوحيد هو المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب، فالتحالفات الدولية التي تتشكل هنا وهناك لن تكون عملية وناجعة إذا تغافلت عن الوضع الليبي وتغاضت عن المخاطر المحتملة في دولة تحتل موقعاً استراتيجياً، ولذلك فإن الحضور الكبير في الاجتماع الدولي حول ليبيا في العاصمة الإيطالية الأحد الماضي عكس هذه الإرادة وترجم بوضوح النوايا المتوقعة بعد تشكيل حكومة في ليبيا تحظى بدعم كامل من الشرعية الدولية. وعكس ما حصل أيام الحرب على نظام معمر القذافي حين تدخل المجتمع الدولي لنصرة «الثورة»، تجد المجموعة الدولية نفسها في المربع ذاته، ولكن ليس أمام نظام يريد أن يسحق شعبه ، كما كان يقال عن القذافي، وإنما أمام تنظيمات إرهابية عدة تسعى لسحق شعوب بأكملها وتهديد استقرار العالم بأسره.

*كاتب صحفي/”الخليج”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *