ماذا يعني سقوط مشروع قانون العزل السياسي في تونس؟

الحدث الأكثر أهمية الذي استأثر باهتمام التونسيين خلال الأسبوع الماضي يتمثل في تصويت المجلس الوطني التأسيسي على إسقاط مشروع قانون حول العزل السياسي، كان من المنتظر في صورة المصادقة عليه إدراجه ضمن بنود القانون الانتخابي.
وكي نفهم معاني سقوط قانون العزل السياسي ودلالته، فإنه من المهم التذكير بأنه ينص على عدم إمكانية الترشح للانتخابات التشريعية لكل من تحمل مسؤولية في صلب حكومة الرئيس الأسبق بن علي، وأيضا كل من تحمل مسؤولية في هياكل التجمع الدستوري الديمقراطي الذي تمّ حلّه، أي أنه قانون يهدف إلى عزل رموز النظام السابق عن المشاركة السياسية.
وليست مبالغة إذا قلنا إن مشروع العزل السياسي، أو ما يسميه أنصاره وأصحابه مشروع تحصين الثورة، شكل أكثر القوانين إثارة للجدل. مع الملاحظة أنه بقدر ما كان هناك نوع من القبول بمنع مشاركة المنتمين إلى النظام السابق في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي المنعقدة في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، بقدر ما لاقى مشروع قانون العزل السياسي رفضا سواء من أحزاب معارضة عدة أو من المجتمع المدني.
إذن هناك متغير مهم في الواقع السياسي الرّاهن، يتمثل في أن باب المشاركة السياسية أصبح اليوم مفتوحا أمام الجميع ودون استثناء، بما في ذلك رموز النظام السابق والآلاف ممن كانوا يتقلدون مسؤوليات ضمن حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحلّ.
وإذا ما اعتمدنا المنطق في استقراء معاني سقوط قانون الإقصاء السياسي، فإنه يُمكن أن نتوصل إلى مجموعة من النقاط لعل أولاها فشل «الترويكا» الحاكمة سابقا في إشباع توقعات التونسيين الاجتماعية والاقتصادية خاصة في تحقيق الأمن وحماية تونس من خطر الإرهاب. فالشرخ النفسي الاجتماعي والسياسي الذي ظهر في علاقة «الترويكا» بالشعب بعد حادثة اغتيال شكري بلعيد أضعف «الترويكا» حضورا وفعلا وتأثيرا. لذلك فإننا نعتقد أن فشل «الترويكا» أسهم بشكل كبير في تعبيد الطريق أمام إسقاط قانون الإقصاء خصوصا أن مشروع هذا القانون لم يكن نتاج موقف مبدئي مائة في المائة، بقدر ما رأى فيه كثيرون محاولة لإقصاء خصوم سياسيين على رأسهم حركة «نداء تونس». زد على ذلك أن مشروع القانون تعاطى معه أصحابه كأداة ضغط سياسية، وهو ما يُفسر عدم وضوح موقف حركة «النهضة» منه إلا في الأشهر الأخيرة. وإذ نركز على حركة النهضة تحديدا، فلأنها كانت عاملا محددا وأساسيا في إسقاط قانون العزل السياسي، وذلك بحكم أن كتلة حركة «النهضة» هي الأكبر في المجلس الوطني التأسيسي.
وعند هذه النقطة تحديدا نصل إلى المعنى الثاني لإسقاط قانون العزل السياسي، وهو أنه أصبح هناك تقارب بين حركة «النهضة» وحركة «نداء تونس» أكثر الأطراف استفادة من إسقاط قانون العزل السياسي، وهو تقارب جاء بعد نفور حاد من حركة «النهضة» ضد حركة «نداء تونس» التي يرأسها السيد الباجي قائد السبسي.
ولا شك في أن هذا التقارب يحمل مؤشرات قوية عن طبيعة المشهد السياسي التونسي المستقبلي، وهي المؤشرات نفسها التي جعلت العديد من الأحزاب تقرأ التراجع النوعي في موقف حركة النهضة إزاء قانون العزل السياسي على أنه صفقة سياسية تمت بينها وبين حركة «نداء تونس».
طبعا ظاهريا قد يبدو الأمر كذلك، بل وقد يكون في جزء منه كذلك. لكن السبب الرئيس في المنهج الواقعي الذي سلكته حركة «النهضة» يتمثل في أن الوضع السياسي والاقتصادي والأمني والاجتماعي حاليا، يُحتم العدول عن مشروع قانون الإقصاء الذي سيؤدي إلى سيناريوهات سلبية مفتوحة، في حين أن التخلي عنه يمثل رسالة إيجابية قوية إلى أطراف عدّة في الصورة وخارج الصورة وداخليا وخارجيا. وبهذا الشكل يصبح بالإمكان معالجة ملفي الإرهاب والتهريب بتوحد القوى، بمعنى أن تنازل «النهضة» وإيثارها إسقاط قانون العزل السياسي موظفة أغلبيتها النسبية في المجلس الوطني التأسيسي هو تنازل مُفكر فيه، ومحسوب، وهو أفضل بالنسبة إليها من سيناريو فقدان كل شيء.
من جهة أخرى، يبدو أن الخوف من عودة النظام السابق رموزا وطريقة في الحكم خوف يستحق المراجعة والتعديل، وذلك لأسباب عدة؛ أولها استحالة عودة النظام السابق بطابعه الشمولي، لأن لتونس ما بعد الثورة مكاسب من أهمها الحرية والمشاركة السياسية والدستور الجديد المتطور حقوقيا. ومن ثمة فلا مجال للعودة إلى الحكم الشمولي.
أما في ما يخص رموز النظام السابق (مع العلم بأن هذا التوصيف يحتاج إلى مراجعة أيضا باعتبار أن النظام السابق هو من نوع نظام الرأس الواحدة)، فإن بعضهم صرح بأنه غير معني بممارسة السياسة، والبعض الآخر عبّر عن رغبته السياسية سلوكيا من خلال تكوين أحزاب أو الانضمام إلى الصف القيادي في بعضها، وهذه الرغبة ستكون مقيدة بقوانين تونس الجديدة وبواقع سياسي ومدني مختلف جذريا عن واقع ما قبل الثورة.
من هذا المنطلق، فإن ما بدأ يتضح نسبيا هو أن تونس سائرة نحو نوع من التعايش السياسي بين «الدستوريين» أو «التجمعيين» و«النهضويين»، أي أن استئثار حكم تونس سيكون لقوتين سياسيتين، وكل قوة ستفرض على الأخرى تعديلات إلزامية فكرا وممارسات، وهذه في حد ذاتها نقطة إيجابية.
“الشرق الأوسط”

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *