التكفيري والتنويري.. بين السيد وخصومه

غزلان جنان
وجهات نظر
غزلان جنان2 مايو 2014آخر تحديث : منذ 10 سنوات
التكفيري والتنويري.. بين السيد وخصومه
التكفيري والتنويري.. بين السيد وخصومه
042fe3d13b5bd8e190e24cac014a6620 - مشاهد 24

يوم الجمعة ما قبل الماضي (18-4-2014) كتب الدكتور رضوان السيد، في حديثه الأسبوعي بـ«الشرق الأوسط»، مقالا تحت عنوان «الحملة على الإسلام.. والحملة على العرب». وقد أثار المقال المشار إليه ردي فعل يختلفان في المنهج والأسلوب ويلتقيان في الهدف. رد الفعل الأولُ أتى من الأستاذ جورج طرابيشي، ورد الفعل الثاني أتى من قارئ ارتأى واجبا عليه أن ينبري للدفاع عن الأستاذ طرابيشي وقد ذكره بالاسم صاحب المقال المشار إليه. وبغض النظر عن مضمون المقال الذي يرد فيه جورج طرابيشي على ما بسطه رضوان السيد من رأي في مقاله المذكور، فإن ما ذكره يعتبر قولا مقبولا من الناحية المبدئية ما دام رضوان السيد قد ذكر طرابيشي بالاسم في معرض الاستشهاد والتدليل على موقف كان موضوع المقال المذكور هو التنبيه على ما يرى رضوان السيد أنه غير مقبول، من حيث إنه موقف يسيء إلى الإسلام عموما ويختص الفكر السني ببالغ الإساءة. أما رد الفعل الثاني، فهو غير ذي موضوع – أو لنقل إنه، في أحسن الأحوال، يدخل في باب الهجاء والمنافرة. ومن ثم، فهو يبعدنا عن جوهر مقال يستحق أن نتدبر مضامينه، ثم إن علينا (قراء)، أو على من كان يرى أن الحق غير ما يذكر صاحب المقال أن يعترض على القول حسب ما تقتضي الأعراف الأكاديمية، ذلك ووفقا لما تستوجبه الآداب المرعية. لا يقدمنا في موضوع في خطورة الفكرة التي يثيرها مقال رضوان السيد أن نعلم أنه تحركه الغيرة من جورج طرابيشي، لأنه قد كان موضع تكريم من إحدى الجمعيات، في حين أن صاحب المقال لم يكن كذلك. ولا شأن للقارئ بإكثار رضوان السيد من حضور المؤتمرات العلمية طالما ما ينشره الرجل من أبحاث باللغة العربية وبغيرها يحظى بالتقدير من رجال البحث العلمي الرصين ونسائه شرقا وغربا، وما دام الرجل حريصا على مسؤولياته الأكاديمية بالجامعة اللبنانية وبالجامعات التي يدعى إليها في ألمانيا وبريطانيا وفي الولايات المتحدة الأميركية. ليس يعنيني ذلك كله طالما ما يصدره من ترجمات رصينة وما يقوم به من تحقيقات وتدقيقات في التراث العربي الإسلامي يعودان على المكتبة الإسلامية بنفع غير قليل، وهو لا يزال على الدرب سائرا منذ ما يربو اليوم على ثلاثة عقود. بل ليس يعنيني أن يمتلك الرجل الموهبة والقدرة على المزاوجة في الكتابة بين العمل الأكاديمي الرصين وما يعتقد أن معركة الدفاع عن العروبة وعن الإسلام القويم يستوجبانه. كل هذه أمور تخصه وحده. إنني، شخصيا، أخجل أن أقول لباحث في أول طريق البحث العلمي إن قراءة فلان من الفلاسفة أو علان من المفكرين أمر دون طاقتك الفكرية وقدراتك العلمية، فما بالك أن ألمز بذلك لأستاذ جامعي يحسن القراءة بعدة لغات أجنبية – فضلا عن اللغة العربية. ولكن، ليس من حقي البتة أن أطلب من الغير التزام قواعد معلومة في الخطاب وليس لي أن أقسره على الارتقاء إلى مستوى من السلوك ليس يمتلك بالضرورة السبيل إلى الارتقاء إليه، ونبينا عليه أفضل الصلوات قد أوصانا بأن نلتمس للناس العذر فيما لا يحسنون ولا يطيقون.
لست إلى شيء من هذه الأمور كلها أقصد في حديثي هذا، وإنما أبتغي أن أنفذ قليلا إلى جانبين اثنين مما ورد في مقال رضوان السيد (الحملة على الإسلام والحملة على العرب)، أجد في النفاذ إليهما فائدة وفي الوقوف عندهما صرفا للفكر عن الخوض في سفاسف الأمور.
الجانب الأول، ما يسعى الكثيرون إلى سلوك سبيل التمويه والمغالطة في الأخذ به وهو سبيل ضرب الإسلام جملة خلف التستر بوجوب مهاجمة الوثوقيات والأرثوذكسيات وتحرير العقول منها توطئة لتحرير العقل العربي. والتمويه، كما تنبه إلى ذلك مقالة رضوان السيد، هو إرجاء القول في الأرثوذكسيات والبدء أولا بضرب «الأرثوذكسية السنية» ثم الوقوف عند ذلك. وملاحظة رضوان السيد ليست صحيحة فحسب، بل إننا نود تكملتها بذكر ما لم يتسع المجال لصاحب المقال لذكره، من الأسباب خطة التمويه والمغالطة: إن ما يصح من الدين الإسلامي فيجب علينا التمسك به وحسن الدفاع عنه هو القرآن الكريم أم الحديث النبوي، فإن المنهجية العلمية الصحيحة تحمل على وجوب التردد والاحتياط الشديدين في أمره. هذا مسعى كبير خطير وهاوية أَجُرُّ الكثير من السذج إلى السقوط في أحابيلها – والحديث فيها ذو شجون، وأوجه الخديعة والمكر تستوجب يقظة تامة.
أما الجانب الثاني (أو المرمى البعيد الآخر الذي ينبه إليه المقال)، فهو أن هنالك فروقا بينة بين مناخ وأسباب الخلاف بين أهل السنة من جهة والشيعة (الإمامية أساسا – فالشأن عند الشيعة الزيدية غير ذلك وهو عند النصيرية والباطنية عموما غير ذلك من منظور مغاير). من جهة أخرى، طبيعة الخلاف اليوم تتجاوز الاختلاف العقائدي داخل دائرة الإسلام بين الشيعة والسنة، وإنما الأمر معركة ضد العروبة من جانب أول، وضد الإسلام (سنة وشيعة) من جانب ثان. يتعلق الأمر بمعسكرين اثنين تتقاطع مصلحة كل منهما في منطقة الشرق الأوسط خاصة: معسكران اثنان يسوء كل منهما (لحسابات خاصة) أن يتجه السنة والشيعة إلى التقارب وتقليص التناقضات الثانوية والخلافات الجانبية حرصا على وحدة الإسلام والمسلمين. يختفي هؤلاء خلف الاعتقاد الشيعي مع تضخيمه والنفخ فيه، ويتمترس أولئك خلف الدعوات التكفيرية التي تدعي الأخذ من إسلام أهل السنة والجماعة. تتقاطع مصالح المعسكرين حينا وتتضارب حينا آخر. وعند كل ذي معرفة بالمكر الآيديولوجي وبقدرة الفعالية الآيديولوجية على التمويه والمغالطة، قدرة على تبين المرامي البعيدة التي تقف خلف دعاوى التكفير من جانب أول والحسابات الخفية التي تحرك، خلف ستار، الكثير من النزعات التي تتذرع بالتنوير وتحرير العقول. ليس من الضروري أن نتفق مع رضوان السيد أو أن نختلف معه في تأويله بعض القراءات، فهذا مستوى من الاختلاف حدوده العالم الأكاديمي وهو على كلٍّ من علامات الصحة والعافية، ولسنا نجد في تاريخ الفكر الإسلامي في عصوره المشرقة حقا إلا شيوعا للتباين في القول العلمي واختلافا في الرؤى والمناهج، ولذلك كان ذلك الفكر قويا متألقا. بيد أن من الضروري، لا بل من الواجب على كل ذي غيرة على العروبة والإسلام معا، أن يقر بأن الحملة على الإسلام والحملة على العرب واقع لا سبيل إلى إنكاره أو إخفائه.
“الشرق الأوسط”

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق