يأتي ديوان “أول البوح…آخر الصمت”، الصادر عن مطبعة صبري بالدار البيضاء، مارس 2018، للشاعر جواد المومني، بعد أن خاض صاحبه تجربتين سابقتين، الأولى من خلال الديوان الأول، “تاريخ دخان وصداقة ريح” (2014)، و الثانية حين عَرَّجَ على محاولة سردية كمحكياتٍ ذاتية حملت عنوان ” ذوات يمتطيها الضّل ــ نسيج المُرار”، صدرت سنة 2017.
ومن خلال الإطلالة الأولى على العمل الإبداعي، يتبين أن الشاعر ظل وفيّا لتقصيه المسترسل ولبحثه الدؤوب على نحت تجربة شخصية، حيث حضور الذات والسعي وراء نبش أغوارها وتفاصيلها.
وتتضمن الأضمومة عشرين نصا شعريا بعناوين باذخة، مبحرة في أتون الكائن/الفرد/الذات/الشخص/الْأنا…ولعلها محطات أَسرت شاعرنا و دعته إلى البوح. فهل هو آخر الصمت( كما في العنوان) أم أن العطش للمقبل سيفرج عن تراتيل بوح آخر؟
إن عتبات من قبيل لوحة الغلاف التي صممتها الشركة اللبنانية أنطوان حنّا، و “تَأشيرة الولوج” التي نسجها جواد المومني، من خلال مقولات أربع لكل من الحسن الصباح، وحنا مينه، وجبرا إبراهيم جبرا، وبول بولز، كفيلة بأن تُفصح، ولو بشكل تقريبي، على ما يعتمل داخل نصوص الديوان، حيث المواربة للمعاني، جزئيا على الأقل، وحيث الدعوة إلى الكتابة ولا شيء غيرها (الكتابة هنا إفصاح). فما بين صمت مباح/ بَوَّاح ، وبين هيَمان للروح، يخرج الحرف مُعبّرا عن الداخل و مَعْبَرا إلى الخارج صائِتا أن الكتابة أهم من الحياة، بتعبير پول بولز.
ويعترف الشاعر رغم ذلك أنه غير قادر على الحَسم ( سرد/شعر) ، بل يخشاه و يتهيَّبه، و ينحاز إلى هُيامٍ دون حدود أو جغرافيا، لاهثا وراء سحر المعنى وداعيا إلى نفي الحواجز و الخنادق.
إنها دعوة إلى قراءات عميقة لذات الشاعر جواد المومني في ٱنتظار بوح آخر.