التمييز يتفاقم في إسرائيل ضد اليهود الشرقيين

هيثم شلبي
دولي
هيثم شلبي26 سبتمبر 2014آخر تحديث : منذ 10 سنوات
التمييز يتفاقم في إسرائيل ضد اليهود الشرقيين
b3c66a7654df0448a94031f2350b86cf - مشاهد 24

لم تكد الحرب على غزة تضع أوزارها حتى عادت النخب ووسائل الإعلام الصهيونية للانشغال بمظاهر الاستقطاب العرقي بين الشرقيين والغربيين، والتحذير من تداعياتها الخطيرة على نسيج المجتمع الصهيوني ذاته.
فقد انشغلت وسائل الإعلام الصهيونية بتوقف الدراسة في إحدى مدارس البنات الدينية في بلدة “نتيفوت” التي تقع جنوب الكيان الصهيوني بعدما قرر أولياء أمور الطالبات في المدرسة، التي تؤمها فتيات من أصول غربية، تعليق الدراسة لأن إدارة المدرسة سمحت باستيعاب ثلاث طالبات من أصول شرقية. وقد أفضت هذه الحادثة إلى تأجيج الجدل حول “مظاهر الغبن”، التي يُعاني منها اليهود الشرقيون حتى بعد مرور 66 عاماً على الإعلان عن الكيان الصهيوني.
ومما فاقم من حدة الجدل حول هذه القضية، النتائج التي خلصت إليها سلسلة تحقيقات تلفزيونية قام بها الصحافي المخضرم أمنون ليفي، وهو من أصول شرقية، وبثتها قناة التلفزة العاشرة أخيراً، إذ أثبتت هذه التحقيقات بالمعطيات والأرقام استمرار التمييز المؤسسي ضد الشرقيين، علاوة على أنها سلّطت الضوء على عمق الاستقطاب العرقي في المجتمع الصهيوني.
فمن خلال المقابلات التي أجراها ليفي مع مسؤولين محليين ومستوطنين فيما يُعرف بـ”بلدات التطوير”، وهي تجمعات سكنية أقامتها إسرائيل في خمسينيات القرن الماضي لاستيعاب اليهود الشرقيين الذين هاجروا من الدول العربية للإسهام في تعزيز المشروع الصهيوني ديموغرافياً وأمنياً، بدا السخط واضحاً على مؤسسات الدولة، بسبب حرصها على التمييز ضد الشرقيين لصالح الغربيين، كما يرى المسؤولون والمحليون وعامة المستوطنين في هذه البلدات.
ولعل أكثر ما يوضح مظاهر الشعور بالغبن الموجود في نفوس الشرقيين، ما جاء على لسان أحد الشباب من اليهود الشرقيين، الذي يقطن مدينة “كريات ملاخي”، جنوب الكيان الصهيوني، والتي تقطنها أغلبية من اليهود من أصول مغاربية، إذ قال إن “اليهودي الغربي يحتاج إلى قدرات متوسطة حتى تنظر إليه المؤسسة الحاكمة على أنه ممتاز، في حين نحتاج نحن الشرقيين إلى قدرات ممتازة لكي تنظر إلينا نفس المؤسسة على أساس أننا متوسطي القدرات”.
وقد بدا الشعور بالدونية على لسان الكثير من النخب الشرقية، التي تتهم المؤسسة الحاكمة بالعمل وفق اعتبارات “عنصرية” ضدهم. وتؤكد المعطيات الرسمية أن الشعور بالغبن لدى الشرقيين له ما يبرره، بالنظر للفروق الكبيرة في تعاطي المؤسسة الحاكمة لكل من اليهود الشرقيين والغربيين. فوفق تقرير صدر عن مركز “أدفا” للدراسات الاجتماعية والاقتصادية، فإن متوسط أجر اليهودي الغربي يفوق أجر الشرقي بنسبة 42 في المائة، في حين أن ظروف المعيشة الصعبة جعلت فقط 13.8 في المائة من طلاب الجامعات والكليات فقط هم من الشرقيين.
وعلى الرغم من أن الأغلبية الساحقة من النخب الغربية، تقف إلى جانب المؤسسة الحاكمة وتنكر التمييز ضد الشرقيين وتتهم الذين يطرحون هذه القضية بالسعي “إلى بثّ روح الفرقة في الشعب”، إلا أن بعض النخب الغربية تقرّ بمظاهر التمييز على أساس عرقي. فقبل موته أخيراً، أكد الكاتب أوري إليتسور أن التمييز المؤسسي ضد الشرقيين لا يزال قائماً.
إليتسور، الذي عمل في السابق مديراً عاماً لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أشار في مقال نشره موقع “ان أر جي” الى أن الشرقيين يحتلون المواقع الدنيا في السلم الوظيفي في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، لافتاً إلى أن المعطيات والإحصائيات تؤكد الغبن الذي لحق بالشرقيين.
وتكمن المفارقة في حقيقة أن الصدع العرقي قد أفضى إلى صراع ثقافي وسياسي واضح، ولا سيما في التجمعات السكانية التي يقطن فيه الشرقيون إلى جانب الغربيون. فقد جرت الانتخابات البلدية الأخيرة في مدينة ديمونا، التي تقطنها أغلبية من اليهود من أصول ليبية، على خلفية عرقية واضحة، إذ كان التنافس في الانتخابات على أساس عرقي، فقد قدّم “الليبيون” قائمة انتخابية تمثّلهم، في حين قدم المهاجرون الروس قائمة تمثلهم.
وعلى الرغم من أن هذه المدينة من أكثر مدن إسرائيل فقراً، إلا ان الاعتبار العرقي هو الذي حدّد توجهات المستوطنين فيها. وزيارة “بلدات التطوير” التي تضم شرقيين وروس، تلفت النظر إلى وجود أحياء منفصلة للشرقيين وأخرى للروس، وتشمل كل مدينة وسطين ثقافيين مختلفين.
مما لا شك فيه أن الصدع العرقي يدلّ على فشل استراتيجية “بوتقة الصهر”، التي أرسى دعائمها مؤسس إسرائيل ورئيس وزرائها الأول ديفيد بن غوريون. وقد قامت هذه الاستراتيجية على أن تكون إسرائيل “بوتقة” تضمن صهر كل الثقافات التي جلبها معهم اليهود من البلدات التي هاجروا منها لتكون ثقافة “إسرائيلية واحدة”. لكن ونظراً الى أن مؤسسي الكيان الصهيوني ورؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على قيادة هذا الكيان هم من ذوي الأصول الغربية، فقد ضمن ذلك مناخاً يتمكن فيه الغربيون من تحقيق ذواتهم بشكل أفضل وأيسر.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق