الأبعاد التاريخية والسياسية لنزاع الصحراء المغربية

كان الغزو الإسباني للصحراء في بادئ الأمر من نتاج فكر شركات خاصة إسبانية أخذت بواخرها تصل إلى إقليم وادي الذهب منذ سنة 1884، ثم أبلغت إسبانيا القوى الأوربية ببسط حمايتها على هذه المناطق الساحلية بعد أن بسطت نفوذها على الإقليم الذي قسمته فيما بعد إلى ثلاثة أقسام إدارية بعد أن سيطرت على مساحته كاملا ليشمل الساقية الحمراء و وادي الذهب سنة 1934.
و مع استقلال المغرب سنة 1956، حرصت إسبانيا على تعزيز تواجدها بالأقاليم الصحراوية، إذ بعد أن أعادت منطقة طرفاية الواقعة على الحدود إلى المغرب، أعادت التقسيم الإداري للإقليم و وضعت برنامجا لتهجير الإسبان على نطاق واسع إلى الصحراء لتذويب قيم و ثقافات سكان الإقليم، و تبع ذلك وضع اليد على الثروات الطبيعية في المنطقة و تعزز التواجد السياسي بتواجد عسكري بلغ في مجمله ضعف عدد السكان المدنيين آنذاك. وعندما استشعرت إسبانيا خطر المطالب المغربية القائمة على الوحدة الجغرافية والاقتصادية والبشرية التي تجمعها بإقليم الصحــراء، ذهبت إسبانيا إلى حد اعتبار الإقليم في حكم المناطق الإسبانية وعينت ممثلين له في البرلمان الإسباني، وبدأت تستغل الخلافات بين المغرب وموريتانيا للاحتفاظ بسيادتها على الإقليم (1).
وأمام عزم إسبانيا على بتر الصحراء من التراب المغربي، بدعوى أن الصحراء كانت أرضا خلاء لا مالك لها، اختار المغرب مواجهة المؤامرة الإسبانية على ثلاث جبهات أولا بالاتصالات الثنائية مع إسبانيا نفسها، حيث بعث جلالة الملك الراحل الحسن الثاني برسالة إلى الجنرال فرا نكو مؤكدا فيها قلق المغرب من الخطوات الانفرادية التي تتخذها إسبانيا في الصحراء، وعزم المغرب على معارضة كل عمل من شأنه تهديد وحدته الترابية.
وفي الجبهة الثانية اعتمد خيار المغرب على إيفاد مبعوثين إلى مختلف دول العالم لعرض وجهة نظره من قضية الصحراء على حكوماتها مع فضح مرامي إسبانيا من إنشاء كيان انفصالي مزيف في المنطقة، يشكل انتهاكا لسيادة المغرب وتمزيقا لوحدته الترابية.
وانصب التحرك المغربي في الجبهة الثالثة على الاحتكام إلى القضاء الدولي بأن قررت بتنسيق مع موريتانيا في 17 شتنبر 1974 عرض النزاع مع إسبانيا على محكمة العدل الدولية لدحض ادعاءات مدريد بأن الصحراء كانت يوم احتلالها أرضا خلاء (2).

وعندما قام المغرب بهجومه المضاد ضد المخطط الإسباني الذي كان قد أصبح جاهزا لإقامة كيان منفصل في الصحراء المغربية عام 1975، لم يكن منتظرا أن يحقق الهجوم المضاد المذكور فوزا حقيقيا على إسبانيا القوية بذاتها وبما خلقته من قوى انفصالية في الإقليم.

لكن ثلاثة عناصر حاسمة صنعت الانتصار المغربي:
1- العنصر الأول: وتمثل في المفعول القوي للقضية الوطنية في تحريك و تعبئة الشارع المغربي، الذي تطوع بمئات الآلاف للزحف على الصحراء المحتلة معزولا من السلاح… و لتخطي حقول الألغام التي كانت تفصلها عن المغرب.
2- العنصر الثاني: تمثل في ظرفية استثنائية قلما يجود بها الزمان، وهي ظرفية كان “الجنرال فرا نكو” فيها يحتضر، وكانت القوى الفاشية الإسبانية مرتبكة، وكانت القوى الديموقراطية الإسبانية منشغلة بالانتقال الديموقراطي ومدفوعة بحلفائها الغربيين إلى التركيز على هذا الأمر، وتجنب أية مواجهة مع المغرب قد تعيد القوى الفاشية إلى الصدارة، وتغرق إسبانيا في مستنقع قد يترتب عنه ما ترتب في البرتغال المجاورة إثر”ثورة القرنفل” سنة 1974. هذا بالإضافة إلى انخراط المغرب في المنظومة الغربية ومساندة دول هذه الأخيرة لها.
3- أما العنصر الثالث: فكان الاتفاق المغربي- الموريتاني حول التحرك الموحد تجاه إسبانيا، وقد سد هذا الاتفاق الباب على إمكانية استغلال التناقض بين الرباط ونواكشوط.
وهكذا فما أن عبرت مسيرة أكثر من 350 ألف مواطن ومواطنة حدود الصحراء الغربية يوم 6 نونبر 1975و توغلت بضع كيلومترات… حتى قبلت مدريد مفاوضة الرباط ونواكشوط، ووقعت معهما اتفاقا ثلاثيا في 14 نونير 1975 يقضي بانسحابها في 28 فبراير 1976، وهو الاتفاق الذي صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشهر الموالي(3). وقبل أن تصادق عليها “الجماعة الصحراوية” التي تمثل سكان الإقليم في 27 فبراير 1976، كانت إسبانيا قد انسحبت قبل الموعد المحدد لذلك بيومين (4).
وهكذا فموقف إسبانيا من موضوع الصحراء (5) الذي حاولت أن تدفع به ليكون صراعا أو نزاعا دوليا، تكتنفه جوانب خفية عديدة تتأطر من خلالها مجموعة من الاعتبارات، التي يمكن أن تكون مقدمات لنشوئه أو خلفيات لنتائجه أو مسببات لحدوثه. وهذا ما يحملنا بالضرورة على بحث كيفية مواجهة المغرب للمخطط الإسباني المؤسس على بوادر مشروع انفصالي استعماري، والأسس القانونية التاريخية التي ارتكز عليها الموقف المغربي في مطالبه الترابية في الصحراء.
ذلك ما سنحاول الإجابة عنه من خلال هذه الدراسة:
يمكن اعتبار ملف الصحراء مثالا حيا لملف سياسي قانوني ودبلوماسي إعلامي، اعترته مقولات اقتضت دائما اللجوء إلى سلسلة من المناورات والمواجهات، اصطدمت فيها رؤية المغرب القائمة على البيعة والاعتبارات القبلية والأعراف التقليدية بالمفاهيم والآليات المتعارف عليها دوليا، أو تلك التي طبقت في سوابق مماثلة (6).
وهكذا فقد انطلقت الدبلوماسية المغربية في اتجاه استرجاع الصحراء من الاستعمار الإسباني باختيار استراتيجي للحوار واختيار “تكتيكي” لوسائل فرضه. إن مطالبة المغرب بالأراضي المستعمرة من قبل إسبانيا ظلت في جميع مراحلها مطالبة قانونية، سالكة طرق التسوية السلمية، وهذا ما أكده جلالة الملك الراحل الحسن الثاني بقوله: “إن المغرب لم يفتأ منذ حصوله على الاستقلال سنة 1956 يطالب بحقوقه في الصحراء، وقد التزم وهو واع كل الوعي اجتناب اللجوء إلى التهديد أو استعمال القوة قصد الظفر بهذه الحقوق، وذلك لتمسكه الصادق الشديد بمبادئ العدل وشريعة القانون الدولي، فناضل نضاله السلمي بصبر مقرون بإصرار حكيم” (7).
فبعد حصوله على الاستقلال، كان المغرب حريصا على المطالبة بالصحراء كجزء لا يتجزأ من ترابه، مستندا في ذلك إلى حقوقه التاريخية والقانونية، حيث لم يكف مطلقا عن المطالبة بحقوقه في الصحراء لذلك فهو يرى أن عملية تحرير صحرائه هي واجب تمليه عليه اعتبارات الالتزام والسيادة والاستقلال الصحيح كما تمليه مستلزمات حماية الصحراويين المغاربة وصيانة مستقبلهم.
ولإبراز الأهمية الاستراتيجية للصحراء في بناء الدولة المغربية، أكد جلالة الملك الراحل الحسن الثاني أن: “هذه الصحراء هي التي أعطتنا دولة المرابطين الصحراويين، وجدتي خناثة زوجة المولى إسماعيل صحراوية، وأم سيدي محمد بن عبد الله صحراوية، وثلاثة من أجدادي صحراويون من قبائل جنوب الصحراء عن طريق السلالة النسوية، فليست الصحراء مغربية بالأمس فقط ولا المغرب صحراوي بالأمس. وفي الحقيقة (هل) نحن الذين سنرجع الصحراء أم أن الصحراء هـي التـي سترجــع إلــى المغـرب: من أجل هذا أنا مطمئن وآمل أن تحل هذه المشكلة بأسرع ما يمكن بين إسبانيا والمغرب عن طريق الحوار”(8).
وهكذا فالمغرب لم يفتأ يواصل الجهود والمساعي الثنائية منذ حصوله على الاستقلال، مراعيا في ذلك روابط الصداقة وحسن الجوار بالإضافة إلى أنه كان يتحاشى تدويل النزاع، لاعتباره أن قضية الصحراء المحتلة من طرف إسبانيا هي في طبيعتها وواقعها قضية قائمة بينه – وهو صاحب الحق الوحيد- وبين إسبانيا.
ويستمد المغرب موقفه هذا من الحق والواقع أولا، ومن البيان المشترك الإسباني المغربي ثانيا، وينص هذا البيان الموقع في السابع من أبريل سنة 1956 على أن الحكومة الإسبانية: “تؤكد عزمها على احترام تمام أرض المملكة الذي تضمنه المعاهدات الدولية وتتعهد باتخاذ جميع التدابير الضرورية لجعل هذه الوحدة أمرا فعليا”. ويلاحظ أن هذه الفقرة من البيان المشترك المغربي الإسباني تشابه لفظا ومعنى ما نص عليه البيان المشترك المغربي الفرنسي، الموقع في باريس في الثاني من شهر مارس سنة 1956. وواضح أن الطرف المغربي كان يفهم من إقرار هذا المبدأ والتأكيد عليه شمول سيادة المغرب جميع الأراضي المغربية التي احتلتها فرنسا وإسبانيا قبل فرض الحماية وبعدها(9). وبطبيعة الحال فإن هذا التعهد يشمل جميع الأراضي المغربية المحتلة بما فيها الجزء الصحراوي، وعلى هذا الأساس التزم المغرب بالخط الدبلوماسي، إذ رأى فيه الطريق السليم لاستعادة الإقليم الصحراوي واستكمال وحدة ترابه.
وأمام الرفض الإسباني لإرجاع الصحراء إلى المغرب، قرر المغرب مطالبة لجنة تصفية الاستعمار بوضع سيدي إيفني والصحراء على لائحة الأراضي التي يتعين تصفية الاستعمار بها(10).
وقد أثيرت قضية الصحراء المغربية لأول مرة أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1961، والذي دفع المغرب إلى إثارة مسألة أراضيه المحتلة اعتباران أساسيان: أولهما، أن مساعي المغرب في سبيل فض النزاع عن طريق التفاوض لم تؤد إلى نتيجة حاسمة. وثانيهما، أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد صادقت في دورتها الخامسة عشر المنعقدة سنة 1960 على وثيقة دولية تحمل عنوان: “تصريح حول منح الاستقلال للدول والشعوب المستعمرة”، الذي أصبح معروفا منذ ذلك التاريخ بالتصريح رقم 1514(11).
وبالفعل استطاع المغرب استصدار عدد من القرارات الدولية (12) استنادا إلى مبدأ تصفية الاستعمار، تطالب الحكومة الإسبانية بالدخول في مفاوضات لمعالجة مشكل الصحراء المغربية المحتلة وتسليمها إلى المغرب طبقا لما تضمنته التوصية رقم 1514 المذكورة.
إن الاستعمار الإسباني في الصحراء، الذي تهرب لسنوات من تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، أو الدخول في مفاوضات جادة مع المغرب ورفضه زيارة أية بعثة دولية للإقليم المحتل، بادر إلى دعوة اللجنة الأممية لزيارة الصحراء، وذلك بعد عدة إجراءات تم إعدادها واتخاذها لاستقبال هذه البعثة (13)، من ذلك:
– محاولة خلق كيان مزيف في الصحراء، وزرع روح العداء لدى السكان تجاه المغرب بصفة خاصة ابتداء من سنة 1970.
– إجراءات إدارية بتكليف عدد من المواطنين الصحراويين بمهام صورية في مراكز المسؤولية.
– الدعوة إلى خلق حزب سياسي (صوري) يضم السكان الصحراويين ويدعو إلى الانفصال (14).
– طرد واعتقال جميع المواطنين الذين يعلنون انتماءهم الصريح للوطن الأب وتعلقهم بالوحدة (15).
وبعد حركة دبلوماسية شاملة عام 1974، استهدفت توضيح الموقف المغربي من صحرائه المحتلة من قبل إسبانيا، سجلت بطلب من المغرب في فبراير 1975 مسألة الصحراء في جدول أعمال مجلس منظمة الوحدة الإفريقية التي صادقت بالإجماع على ملتمس يعلن مساندتها الغير المشروعة للمغرب من أجل استعادة أراضيه المحتلة.
وفي أكتوبر من نفس السنة أدلت محكمة العدل الدولية برأيها الاستشاري، حيث اعترفت “بوجود روابط قانونية وروابط بيعة بين المغرب والصحراء”. وهنا أعلن جلالة الملك الراحل الحسن الثاني عن قيام مسيرة خضراء لاسترجاع الصحراء شارك فيها 350 ألف من المتطوعين… لتعود الصحراء إلى المغرب بعد التصريح الصادر عن إسبانيا والمغرب وموريتانيا بتاريخ 14 نونبر 1975 (16).
ولتحليل مضامين الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية ودوره في تسوية الخلاف، وما ترتب عنه من قرار تنظيم المسيرة الخضراء (17)، خصصنا لذلك مطلبين اثنين:

المحور الأول: الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية.
المحور الثاني: المسيرة الخضراء آلية جديدة لتسوية النزاعات الدولية.

المحور الأول
الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية

تشكل محكمة العدل الدولية التنظيم القضائي الرئيسي في منظمة الأمم المتحدة، حيث أن نظامها الأساسي ملحق بميثاق منظمة الأمم المتحدة (18). وهذا ما عبرت عنه المادة الثانية والتسعون من ميثاق منظمة الأمم المتحدة بأن محكمة العدل الدولية هي الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، وتقوم بعملها وفق نظامها الأساسي الملحق بهذا الميثاق، وهو مبني على النظام الأساسي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي وجزء لا يتجزأ من الميثاق.
ويتكون النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية من سبعين مادة تتنـاول تنظيم المحكمة، اختصاصاتها، الإجراءات ونظام الترافع أمامها.
وتتكون هيئة المحكمة من قضاة مستقلين ينتخبون من الأشخاص ذوي الصفات الخلقية العالية، الحائزين في بلادهم على المؤهلات المطلوبة للتعيين في أرفع المناصب القضائية، أو من المشرعين المشهود لهم بالكفاءة في القانون الدولي، وكل هذا بغض النظر عن جنسيتهم (19).
وتتألف المحكمة من خمسة عشر قاضيا، يختارون بموجب صفات خلقية بالإضافة إلى مؤهلاتهم القضائية وكفاءاتهم وخبراتهم في سلك ا لقضاء المحلي والدولي مهما كانت جنسياتهم، بشرط أن لا يكون بالمحكمة أكثر من قاض واحد من رعايا دولة معينة، ويكون انتخابهم من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لمدة تسع سنوات(20)، ويجوز إعادة انتخابهم وفقا لنص المادة الثالثة عشر من النظام الأساسي للمحكمة، على أن ولاية خمسة من القضاة الذين وقع عليهم الاختيار في أول انتخاب للمحكمة يجب أن تنتهي بعد مضي ثلاث سنوات وولاية خمسة آخرين بعد ست سنوات، ويكون تحديد ذلك عن طريق القرعة.
ولا يجوز لعضو المحكمة أن يتولى وظائف سياسية أو إدارية، كما لا يجوز له أن يشتغل بأعمال من قبيل أعمال المهن، وعند قيام الشك في هذا الشأن تفصل المحكمة في الأمر (المادة السادسة عشرة من النظام الأساسي)، كما لا يجوز لعضو المحكمة مباشرة وظيفة وكيل أو مستشار أو محام في أية قضية، ولا يجوز له الاشتراك في الفصل في أية قضية سبق له أن كان وكيلا عن أحد أطرافها أو مستشارا أو محاميا أو سبق عرضها عليه بصفته عضوا في محكمة أهلية أو دولية أو لجنة تحقيق أو أية صفة أخرى (المادة السابعة عشر).
ويتمتع أعضاء المحكمـــة فــي مبـــاشــرة وظــائفـهـم بالمزايــــا والإعفـــــاءات “السياسيـة” (المادة التاسعة عشر)، وتنتخب المحكمة رئيسها ونائبه لمدة ثلاث سنوات ويمكن تجديد انتخابهما، وتعين المحكمة مسجلها ولها أن تعين ما تقضي الضرورة بتعيينه من الموظفين الآخرين (المادة الحادية والعشرين)، ويكون مقر المحكمة في لاهاي، على أن ذلك لا يحول دون أن تعقد المحكمة جلساتها، وأن تقوم بوظائفها في مكان آخر عندما ترى ذلك مناسبا (المادة الثانية والعشرون).
وتجدر الإشارة أن النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية نص على إمكانية تعيين “قاضي المناسبة juge ad hoc”، حيث جاء في فقرته الثانية من المادة الحادية والثلاثين على أنه إذا كان في هيئة المحكمة قاض من جنسية أحد أطراف الدعوى جاز لكل من أطرافها الآخرين أن يختار قاضيا آخر للقضاء، وتنص الفقرة الثالثة على أنه إذا لم يكن في هيئة المحكمة قاض من جنسية أطراف الدعوى جاز لكل منهم أن يختار قاضيا بالطريقة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من هذه المادة.
والواقع أن النظام الأساسي قد قلب – بما تضمنته المادة المذكورة من أحكام- الوضع المنطقي الذي يتسق مع ما ينبغي أن يكون عليه قضاة المحكمة من الحياد والنزاهة، فالمادة في فقرتها الأولى تجيز أن يكون من بين قضاة المحكمة من يتمتع بجنسية أحد أطراف النزاع، وهذا في حد ذاته خروج عن منطق قاعدة أنه لا يجوز لشخص أن يكون خصما وحكما في ذات الوقت، على أن النظام الأساسي تمشى مع منطقه – رغم غرابته- فأتاح للدول الأخرى الأطرف في النزاع أن تختار قضاة يجلسون مع القضاة الأصليين في المحكمة إذا لم يكن واحد من هؤلاء الآخرين بجنسية الدولة المعنية (21).

للمحكمة نوعان من الاختصاصات: الاختصاص الأساسي هو قضائي والآخر استشاري:
1- الاختصاص القضائي: لقد أوضحت المادة 34 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية أن للدول وحدها الحق في أن تكون أطرافا في الدعاوى التي ترفع للمحكمة، من هنا يتضح أن لا مجال للأفراد أو المنظمات أن يكونوا أطرافا في منازعات معروضة أمام المحكمة، إلا أنه بعد اتساع دور المنظمات الدولية وبروز النزاعات المترتبة عن ذلك تدعو الضرورة إلى إعادة النظر في نص المادة السابقة حتى يتاح التقاضي لكل أشخاص القانون الدولي. وعلى الرغم من السلطات الواسعة للمحكمة في ممارسة عملها فإن الدول الأعضاء في نظامها الأساسي لا يعترفون لها بولاية إجبارية فيما تصدره من أحكام، ويرون أن ولايتها اختيارية تستند إلى رضا المتنازعين باللجوء إليها. وتكون المحكمة مختصة بنظر النزاع في الأحوال الآتية:
– في حالة وجود اتفاق بين الأطراف المتنازعة على اللجوء إلى المحكمة في نزاع معين، وتشمل ولاية المحكمة النزاعات القانونية والسياسية.
– في حالة وجود اتفاقيات جماعية أو ثنائية أو متعددة الأطراف تقرر ولاية المحكمة بشأن المنازعات المتعلقة بتفسير هذه الاتفاقيات التي تقرر مثل هذه الولاية للمحكمة.
– في حالة إعلان قبول الاختصاص الإلزامي للمحكمة، إذا ما التزمت الدول مسبقا قبل نشوء النزاع بإعطاء المحكمة ولاية في المنازعات القانونية التي تقوم بينها وبين دولة تقبل نفس الالتزام (22).
2- الاختصاص الاستشاري: يمكن لكل من الجمعية العامة أو مجلس الأمن، طبقا لمقتضيات المادة السادسة والتسعين من ميثاق الأمم المتحدة، أن يطلب من محكمة العدل الدولية إفتاءه في أية مسألة قانونية، ولسائر فروع الهيئة والوكالات المتخصصة المرتبطة بها، ممن يجوز أن تأذن لها الجمعية العامة بذلك في أي وقت، أن تطلب أيضا من المحكمة إفتاءها فيما يعرض لها من المسائل القانونية الداخلة في نطاق أعمالها، وتؤكد المادة الخامسة والستون من النظام الأساسي أن للمحكمة أن تفتي في أية مسألة قانونية بناء على طلب أية هيئة رخص لها ميثاق الأمم المتحدة باستفتائها، أو حصل الترخيص لها بذلك طبقا لأحكام الميثاق المذكور، وتعرض الموضوعات التي يطلب من المحكمة الفتوى فيها في طلب كتابي يتضمن بيانا دقيقا للمسألة المستفتى فيها، وترفق به كل المستندات التي قد تعين على تجليتها (23).

الفقرة الأولى:مضمون الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية

في إطار مساعيه الدبلوماسية الهادفة إلى استكمال وحدته الترابية، طالب المغرب منذ حصوله على الاستقلال بحقه المشروع في استرجاع أقاليمه الجنوبية التي بقيت ترزح تحت نير الاستعمار الإسباني، كما احتجت الحكومة المغربية بشدة على لجوء الدولة الإسبانية إلى صياغة قرارات تقنن وضعية الأقاليم الجنوبية كمنطقة خاضعة للسيادة الإسبانية، مع إعطائها حق التمثيل في البرلمان الإسباني بواسطة جماعة صحراوية محلية.
كما أن الموقف المتعنت لإسبانيا، ظل مصرا على معاكسة المشروعية الدولية بالرغم من أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اقترحت منذ سنة 1964 على طرفي النزاع (المغرب وإسبانيا) إيجاد حل سلمي لوضع حد للهيمنة الاستعمارية على منطقة الصحراء، كما أن التوصية الأممية المؤرخة في دجنبر 1965 نادت من جديد بجلوس الطرفين، إسبانيا والمغرب، على طاولة المفاوضات من أجل تدارس موضوع إنهاء الوضعية الاستعمارية على الأقاليم الصحراوية، لكن لم تسفر هذه الجهود عن إيجاد ظروف ملائمة لخلق حوار دبلوماسي بناء يساعد على بلورة حل سلمي للقضية.
وفي صيف 1974 وصل النزاع حول الصحراء طريقه المسدود، بعد أن تدحرج بين عدة مساطر لإنهاء الاستعمار، من التفاوض إلى التشاور إلى تقرير المصير، نتيجة تحدي إسبانيا وتجاهلها لقواعد القانون الدولي، ونهجها سلوكا انفراديا، حيث أعلنت حكومة إسبانيا عن قرب تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء. وهذا ما أكده جلالة الملك الراحل الحسن الثاني بقوله: “ولا أخفي عنك شعبي العزيز أنني كنت سأوجه خطابي هذا توجيها آخر، فإذا بمعلومات تصلني بوسائلي الخاصة، موثوق بها جدا، تفيد أن الدولة الإسبانية قررت العزم على أن تكتب إلى هيأة الأمم المتحدة تطلب منها رسميا الشروع في مسطرة تقرير المصير. كما بلغني من بعض الإيضاحات والمعلومات السرية الخاصة ما يفيد بأن إسبانيا طلبت وبوعد منها أن تجري الاستفتاء في ظرف ستة أو سبعة أشهر… نحن لا نتخوف من الاستفتاء وتقرير المصير ولا نتهرب منهما، بل نحن أول من دعا إليهما في يوم من الأيام… ولكن لنا شروط:
الأول: هو تطبيق قواعد الاستفتاءات الدولية.
الثاني: أن يكون المغرب موافقا على صيغة سؤال الاستفتاء، لأن سؤال الاستفتاء إما أن يجعلنا نقبل أو نرفض مبدأ الاستفتاء.
فمثلا إذا طرح مشكل استقلال الشعب الصحراوي، فإن المغرب سيرفض تماما مبدأ الاستفتاء… لأن هذا السؤال المطروح يقتضي أن يشمل الصحراويين الموجودين في المغرب والصحراويين الموجودين في موريتانيا والصحراويين الموجودين في الجزائر والصحراويين الموجودين في مالي والصحراويين الموجودين في السنغال…” (24).
فقد شكلت سنة 1974 إذن، منعطفا حاسما في تاريخ النـزاع حـــول الصحراء، حيث أعلن جلالة الملك الراحــل الحسن الثــاني بــأن هذه السنة ستكون سنة تجنيد لاسترجاع الأراضي الصحراوية المغربية (25). وبالفعل قام المغرب بحملة دبلوماسية واسعة النطاق في العالم بأسره للتعريف بموقفه من أن الصحراء جزء لا يتجزأ من ترابه، وفضح النوايا الإسبانية.
وأمام إصرار إسبانيا على خطتها الاستعمارية وعقد نيتها على تنظيم استفتاء على انفراد لتبقي على سيطرتها باسم كيان مصطنع، عقد جلالة الملك الراحل الحسن الثاني بتاريخ 17 شتنبر 1974 ندوة صحفية أعلن خلالها عزم المغرب على عرض الخلاف حول المنطقة على محكمة العدل الدولية لتعطي رأيا استشاريا حول الصحراء، وهل كانت – كما تدعيه إسبانيا- منطقة خلاء قبل بسط سيطرتها عليها.
وفي هذه الندوة صرح جلالته بأنه: (… وفي إطار البحث المتواصل الدؤوب للوصول إلى حل بواسطة المحادثات المباشرة، قدمت اليوم للأمم المتحدة ومن خلالها لإسبانيا الاقتراح التالي: بما أن الحكومة الإسبانية تدعي أن الصحراء لم تكن ملكا لأي كان، كما تدعي بأن الصحراء كانت أرضا مواتا أو تركة لا وارث لها، كما تدعي بأنه لم تكن في الصحراء سلطة ولا إدارة قائمة، فإن المغرب يقول عكس ذلك، لذا فإننا نطلب تحكيم محكمة العدل الدولية في لاهاي التي ستقول كلمة الفصل.
وإذا وجدت محكمة العدل الدولية فعلا بأن الصحراء لم تكن ملكا لأي كان، وأنها كانت أرضا مواتا ليست لأحد وملكا لا وارث له، فسأقبل الاستفتاء وأقول “طيب إنها ليست ملكا لأحد ويمكن لي الإقدام على الاستفتاء حتى مع عشر دول مجاورة إذا أرادت ذلك لكن إذا صرحت محكمة العدل بأن المغرب له رسوم الملكية القانونية، فسأطلب إذ ذاك من منظمة الأمم المتحدة أن تقترح علينا وعلى إسبانيا أن نتفاوض مباشرة…) (26).
وبنفس الحزم والرغبة القوية في عرض النزاع أمام محكمة العدل الدولية، صرح وزير الدولة المكلف بالشؤون الخارجية: (وبهذه الروح أدعو باسم حكومتي موريطانيا الشقيقة أن تنضم إلينا لمطالبة محكمة العدل الدولية بأن تدلي برأي استشاري طبقا لما طالبت به حكومة المغرب هذه المحكمــــــة) (27)، وعلى إثر ذلك أعلمت الحكومة المغربية إسبانيا بذلك وأرسل وزير خارجيتها رسالة إلى نظيره الإسباني، جاء فيها: (… وحتى تسير الأمم المتحدة نحو طريق التسوية النهائية لقضية الصحراء المغربية، طبقا لمبادئ ميثاقها ومصالح السلام العليا النهائية لقضية الصحراء المغربية، طبقا لمبادئ ميثاقها ومصالح السلام العليا والأمن الدولي، فإن حكومة صاحب الجلالة تقدم للحكومة الإسبانية وبصفة صريحة الاقتراح الرامي إلى رفع هذه القضية معها إلى محكمة العدل الدولية طبقا لروح ونص الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالتسوية السلمية للخلافات…) (28).
ومما تجدر الإشارة إليه، أن لجوء المغرب إلى محكمة العدل الدولية كان بدافع إفهام الرأي العام الدولي بأن مطلب المغرب لم يكن قائما على المغالطات والأطماع والأوهام، وإنما كان ذلك المطلب ذا أصول وجذور ومشروعية، في التاريخ (29).
وهكذا، فقد تبنت لجنة تصفية الاستعمار التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع القرار الذي تقدمت به 35 دولة إفريقية وعربية إلى الجمعية العامة، وقد حصل المشروع على 80 صوتا، وبدون اعتراض أي صوت، وامتنعت 43 دولة عن التصويت (30).

ونص القرار على ما يلي:

1- تقرر الجمعية العامة للأمم المتحدة عرض القضية الآتية على محكمة العدل الدولية دون أن يمس ذلك بتطبيق المبادئ التي يحتويها القرار رقم 1514 الصادر عن الجمعية العامة، طالبة منها أن تعطي في أجل قريب رأيا استشاريا حول:
أ- هل كانت الصحراء الغربية (الساقية الحمراء ووادي الذهب) وقت استعمارها من طرف إسبانيا إقليميا بلا مالك ؟
وإذا كان الجواب عن هذا السؤال الأول بالنفي، يكون السؤال الثاني هو:
ب- ما هي الروابط القانونية بين هذا الإقليم وكل من المملكة المغربية والكيان الموريتاني ؟
2- تطلب على الخصوص من إسبانيا بصفتها الدولة الحاكمة ومن المغرب وموريتانيا بوصفهما طرفين يعنيهما الأمر أن يقدموا لمحكمة العدل الدولية الوثائق والمعلومات التي من شأنها أن توضح هذه القضية.
3- تدعو بإلحاح الدولة الحاكمة إلى تأجيل تنظيم الاستفتاء المقرر، مادامت الجمعية العامة لم تعلن رأيها حول السياسة التي يجب إتباعها وللإسراع طبقا للقرار 1514 بإجراء تصفية الاستعمار من الإقليم في أحسن الظروف على ضوء الرأي الاستشاري الذي ستعطيه محكمة العدل الدولية.
4- تكرر دعوتها إلى جميع الدول لاحترام قرارات الجمعية العامة حول نشاطات المصالح الأجنبية الاقتصادية والمالية بالإقليم.
5- تطلب من اللجنة المكلفة بدراسة الوضع فيما يتعلق بتطبيق التصريح الخاص بمنح الاستقلال إلى الأقطار أو الشعوب المستعمرة تتبع الوضع في الإقليم بما في ذلك إرسال بعثة لزيارة وإعداد تقرير في الموضوع للجمعية العامة.
واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 3292 الذي وافقت عليه لجنة تصفية الاستعمار بأغلبية 88 صوتا مقابل 43 دولة امتنعت عن التصويت وغياب 7 دول أخرى (31).
وبافتتاح المناقشات بمحكمة العدل الدولية بتاريخ 12 ماي 1975 (32)، تبين أن المحكمة يوجد ضمن هيئتها القضائية قاض وطني لإسبانيا كطرف معني في القضية، الأمر الذي طرح مسائل أولية تتعلق بتعيين قاضي المناسبة وصلاحية الاختصاص. لم يسبق تعيين قاضي المناسبة من قبل في المادة الاستشارية حتى قضية الصحراء، لتكون بذلك أول قضية تعرض على المحكمة يعين فيها قاضي المناسبة، لتوفر شروط المادة 89 من لوائح المحكمة في النزاع القائم بين إسبانيا من جهة، والمغرب وموريتانيا من جهة أخرى. وفي 22 ماي 1975 سمحت المحكمة للمغرب بتعيين قاضي المناسبة (33)ورفضت ذلك بالنسبة لموريتانيا، مما أثار نقاشا أجابت عنه المحكمة بأن الخلاف القانوني الموجود قائم بين المغرب وإسبانيا لا بين هذه وموريتانيا، وأن مصلحة موريتانيا معترف بها في الصحراء من طرف الأمم المتحدة دون الحاجة لتصعيد الخلاف مع إسبانيا (34).
وعلى ضوء ذلك واصلت المحكمة مراحل المسطرة وتقديم المذكرات والاستماع إلى العروض الشفوية لمندوبي الأطراف، حيث قدمت إسبانيا ما أسمته بالكتاب الأحمر الذي يضم ثلاث مجلدات و45 خريطة، وقد قدم فيه المغرب ملفا من 109 صفحات، و200 وثيقة تثبت مغربية هذه الصحراء، وقدمت موريتانيا ملفا من 218 صفحة.
أما على المستوى القانوني، نذكر المشاركة القيمة لبعض رجال القانون اللامعين للدفاع عن حقوق المغرب في صحرائه أثناء المناقشات أمام محكمة العدل الدولية، ويتعلق الأمر بثلاثة أســــاتذة فرنسيين: جون رينيه ديبوي R.J. Dupuy، بول إزوار P. Isoart، والعميد جورج فيدال G. Vedel، حيث دافعوا عن الطرح المغربي إلى جانب الوفد المغربي المكون من السادة، إدريس السلاوي، أحمد مجيد بن جلون، ومحمد بنونة (35).
وقد بدأت محكمة العدل الدولية في دراسة ملف الصحراء يوم 25 مارس 1975، وكان من المقرر أن تنتهي من ذلك يوم 30 يوليوز 1975، وخلال إتباع هذه المسطرة استمعت المحكمة لعروض المغرب وموريتانيا وإسبانيا وللبيانات المكتوبة أو الشفهية التي طلبت دول أخرى تقديمها.
وقد أصــدرت المحكمة يوم الخميس 16 أكتوبر 1975 رأيها الاستشاري الذي يبرز بصورة لا تقبل الجدل العناصر التالية التي تدعم مشروعية الطلب المغربي:
1- تنفي المحكمة النظرية الإسبانية وتعترف فعلا بأن النزاع من اختصاصها مؤكدة بذلك الموقف المغربي الذي يثبت وجود نزاع قانوني بين إسبانيا والمغرب في موضوع الصحراء (36).
2- واستنادا إلى عروض المغرب وموريتانيا فقد نفت المحكمة العنصر الثاني للنظرية الإسبانية التي تدعي بأن تلك الأرض كانت خلاء أثناء احتلالها، وهذا يعني بجلاء أن الصحراء لم تكن أرضا لا مالك لها ولا خالية من سلطة تشرف عليها.
3- وتؤكد المحكمة أنه كانت توجد بين الصحراء والمملكة المغربية صلات قانونية وأن الأولى كانت تدين للثانية بالولاء.
وبناء على ذلك، فإن هذه القرارات كلها تجمع من جهة على رفضها الادعاءات الإسبانية وتلتقي من جهة أخرى مع الاعتراف بالعناصر الجوهرية للنظرية المغربية وبالأخص فيما يتعلق بتأكيد وجود صلات قانونية وروابط من الطاعة والولاء بين المملكة المغربية والصحراء.
ولا يمكن لقرارات المحكمة حيال هذا الموضوع إلا أن تدل على شيء واحد، وهو أن الصحراء المدعوة بالغربية كانت جزءا لا يتجزأ من الأراضي التي كانت تمارس فوقها سيادة ملوك المغرب، وأن سكان هذه الأقاليم يعتبرون أنفسهم ويعتبرهم الناس جميعا مواطنين مغاربة.
وعليه فالمغرب يجد نفسه معززا من الوجهة القانونية في مطلبه المشروع، الذي تسانده محكمة العدل الدولية، فلا يمكن أن يكون ثمة أي اعتبار آخر ينال من قوة ونصاعة هذه الاستنتاجات التي عبرت عنها المحكمة، لاسيما وأن هذه الأخيرة تتركب من قضاة يتم انتخابهم بصورة مشتركة من لدن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، يعني من لدن الجهازين الأكثر أهمية في المنتظم الدولي، ويقع بالتالي اختيارهم بصورة تجعلهم يحظون بتأييد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وكذا تمثيل مختلف المدنيات السائدة في العالم (37).
وعلى العموم، يمكن تلخيص مضمون الرأي الاستشاري للمحكمة (38) في نقطتين: تتعلق الأولى باعترافها بالروابط التاريخية بين المغرب والأقاليم الجنوبية (البيعة)، أما الثانية فتتحدد في اعترافها بالسيادة المغربية على تلك الأقاليم.
فقد حددت المحكمة في البداية، معنى “أرض بلا مالك” مذكرة أن احتلال الإقليم في القانون الدولي المضفى عليه نوع من الشرعية، يشترط أن ينصب على الأرض الخلاء التي لا مالك لها، مما يضفي سيادة الدولة المحتلة للإقليم، ولاحظت المحكمة بحق أنه في وقت استعمار إسبانيا للصحراء كانت مسكونة من طرف سكان رحل، إلا أنهم كانوا اجتماعيا وسياسيا منظمين في قبائل يخضعون لسلطة رؤسائهم المؤهلين لتمثيلهم، معتبرة أن ” الأقاليم المسكونة من طرف القبائل والشعوب التي بها تنظيم اجتماعي وسياسي ما كانت لتعتبر أرضا بلا مالك”.
وكان استنتاج المحكمة بإجماع القضاة (39) أن الصحراء “الغربية” لم تكن أرضا بلا مالك وقت استعمارها من طرف إسبانيا، وهكذا تكون المحكمة قد أعطت السؤال الأول جوابا بالنفي.
وطبقا للطلب الموجه إليها، تعرضت المحكمة لدراسة السؤال الثاني: ما هي الروابط القانونية بين الصحراء والمملكة المغربية والمجموعة الموريتانية ؟ قبل أن تجيب المحكمة على هذا السؤال بدأت بتحديد معنى الروابط القانونية، واستخلصت أن هذه الروابط تجاه خصوصية الصحراء تتعلق بدراسة تلك الروابط بالنسبة إلى الإقليم والأشخاص في نفس الوقت.
واستند المغرب من خلال أطروحاته إلى ممارسة السلطان الحكم في الصحراء بواسطة القواد المعينين بظهائر في إطار البنية الخاصة للمملكة الشريفة القائمة على أساس الروابط الدينية الإسلامية في المجال الترابي، وعن طريق الولاء الناجم عن البيعة للسلطان من طرف القبائل فيما يتعلق بالأشخاص، خاصة وأن الولاء كانت له صبغة سياسية ودستورية، بحيث أن الولاء للسلطان يعادل الولاء للدولة.
وبالنسبة إلى موريتانيا، لم تتخذ دراسة روابطها القانونية بالإقليم نفس الاتجاه، حيث أنها لم تكن موجودة في ذلك الوقت كدولة تدعو إلى إبراز الروابط وعلاقتها بالسيادة، وإنما هي روابط من طبيعة أخرى تقوم على أسس اجتماعية وثقافية وجغرافية، وبالتالي أظهرت المحكمة وجود بعض الحقوق للرحل “الشنقيطيين” تمتد على الأرض، لتؤلف روابط قانونية بين الصحراء والمجموعة الموريتانية.
وخلاصة الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية أن هذه الأخيرة اعترفت بقيام صلات قانونية بين المغرب والصحراء “الغربية” لدى احتلال إسبانيا لهذه الأخيرة.
وفي تعليقه الذي نشره سنة 1976 بإحدى الدوريات المغربية عقب صدور الرأي الاستشاري أكد القاضي “الفونس بوني” رئيس المحكمة العليا بساحل العاج، والذي اختاره المغرب لينوب عنه في هيئة المحكمة الدولية، أن: (الروابط التي كانت قائمة بين الصحراء الغربية والمغرب هي روابط سيادة) (40).
وهذا ما أكده جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني بأن: (محكمة العدل الدولية اعترفت في أكتوبر 1975، أن الأراضي الصحراوية التي تحتلها إسبانيا، لم تكن عند استعمارها أرضا خلاء لا صاحب لها، ولكنها – وأنقل عن هذه المحكمة ما قالته حرفيا-: “كانت بين الصحراء والمملكة المغربية روابط قانونية وروابط ولاء”، ومعنى ذلك أن سكان هذا الإقليم الصحراوي يدينون بالطاعة والولاء لملوكهم المغاربة، إنه حكم قوي التعليل، لأنه إذا ما أنكر أن إرادة هذه الأقاليم لم تكن تمارس من قبل السلطة المغربية، فكيف يمكن تفسير الوجود الشخصي لأجدادنا فيها ؟ وكيف يفسر أن مولاي إسماعيل قد وصل عام 1679 إلى نهر السنغال ؟ وكون مولاي الحسن ذهب عام 1882 و1886 إلى الصحراء ؟ وكيف يمكن نسيان أن المعاهدات الدولية المبرمة مع بريطانيا سنة 1895، ومع فرنسا وألمانيا سنة 1911 اعترفت رسميا بالسيادة المغربية على هذه الأقاليم ؟ إن روابط الولاء التي تحدثت عنها المحكمة هي روابط جد قديمة، وجد ثــابتة، ودائمــة،
وجد عديدة قامت الأدلة عليها بالعديد من توجيهات ملوكنا وأوامرهـــم وقراراتهم وظهــائرهــم قبل الاستعمار وخـلال وجـوده، إلى حد أن المحكمة نتيجة اطلاعها اطلاعا كاملا على ذلك أعطتنا الحق فــي هذه المنطقة” (41).

الفقرة الثانية: تقييم دور الرأي الاستشاري في تسوية نزاع الصحراء المغربية

كان ينتظر أن يصدر الرأي الاستشاري بشأن نزاع الصحراء المغربية بشكل يؤدي إلى وضع جواب فاصل يحسم النزاع بشأن التساؤل القائم حول الاتجاه الذي ينبغي أن تعرفه مسطرة تصفية الاستعمار في الإقليم.
فاللجوء إلى المحكمة لم يكن من أجل البحث التاريخي للتأكد من وقائع معينة وتحديد محتواها القانوني، بل على العكس من ذلك كان لأجل الإسراع بعملية تصفية الاستعمار من الإقليم وفق التوصية 1514 وذلك على ضوء الرأي الاستشاري. إلا أن الذي يمكن استنتاجه من خلال دراسة حيثيـات ومنطـوق هذا الرأي، أنه تميز بإخضاع مفهوم السيادة الذي عرفته الدولة المغربية منذ عدة قرون لمبادئ “القانون العام الأوربي”، مما أدى إلى تناقض في النتائج التي تم التوصل إليها، كما أن دراسة المحكمة للوثائق المقدمة من الأطراف وبالخصوص نصوص المعاهدات الدولية والمراسلات الدبلوماسية تميزت بتحيز واضح لوجهة النظر الإسبانية (42).
ولتحليل مقتضيات الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، نورد في البداية لمناقشة جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني لمضامين هذا الرأي: (… وتعترف المحكمة أن هناك روابط قانونية وروابط بيعة، لأنني أفسر القانون الدولي الإسلامي بأن هناك الروابط القانونية وهناك روابط البيعة، فيمكن مثلا أن نكون محتلين أرضا ومستعمرين لها وبيننا وبينها قانون ينظم المعاملات، ولكن لم تكن بيعتها في عنقنا، وقد وقع هذا في تاريخ المغرب. أما هنا فقد قالت محكمة العدل: هناك روابط قانونية أولا وروابط بيعة بين المملكة المغربية وبين الصحراء).
وبخصوص مسألة البيعة، يضيف جلالته: (… سيقول بعض الناس أن المحكمة لم تقل روابط سيادة، طيب أجيب، ما هو الفرق بين السيادة، وبين روابط البيعة حتى في القانون الأوربي نفسه ؟ ولاسيما أننا لا ننسى أن المحكمة تنظر في قضية ترجع في روحها وحكمها إلى أوائل القرن الذي نعيش فيه، ذلك القرن الذي لم تكن توجد في أوربا إلا دولتان جمهوريتان وهما فرنسا وسويسرا، أما ما تبقى مثل إسبانيا وإيطاليا وألمانيا وهنغاريا ويوغسلافيا وروسيا وبولونيا وهولندا وبلجيكا والدانمارك، كانت لا تستعمل إذ ذاك نص السيادة بل تستعمل نص البيعة).
وبارتياحه أكثر من استعمال المحكمة للبيعة وعدم استعمالها للسيادة، لأن نص البيعة مناسب للتاريخ الذي استعمرت فيه الصحراء، أضاف جلالته بخصوص تحليل مفهوم البيعة على أساس القانون الإسلامي الدولي: (… والبيعة في القانون الإسلامي – وإن اكتست دائما عدة أصناف وأشكال- لم تكن دائما بيعة تربط فقط الشخص بالملك، أو الشخص بأمير المؤمنين بل لما كان لدى أولئك الأشخاص من تمثيل وقوة تمثيل كانت تربط أولائك الأشخاص، وما يمثلونه من قبائل وعشائر وأقطار وأمصار بينهم وبين أمير المؤمنين أو من ولاه الله أمر شؤون المسلمين).
ويوضح جلالته خصوصية رابطة البيعة في المغرب قائلا: (… إن البيعة في المغرب كان لها طابع خاص، ذلك أن البيعة في المغرب كانت دائما مكتوبة، نحن نعلم أنه في تاريخ الإسلام كان رؤساء القبائل يأتون للسلام على الأمراء والملوك ويضعون أيديهم على أيديهم أو على المصحف، ويقولون إننا نبايعك على النهي والإرشاد ونبايعك بيعة الرضوان الخ، ولكن المغرب هو الدولة الوحيدة التي لم تكتف بالبيعة الشفوية، بل ما ثبت في تاريخ المغرب وفي أي دولة مغربية أن وقعت بيعة شفوية بل كانت دائما بيعة مكتوبة، وحتى أولئك الذين لم يستطيعوا كتابة هذه البيعة كانوا يبعثونها عن طريق العدول) (43).
وانطلاقا من هذا التحليل، يتبين أن مضمون الرأي الاستشاري باعترافه بقيام صلات قانونية بين المغرب والصحراء لدى احتلال إسبانيا لهذه الأخيرة، جاء مطابقا لوجهة النظر المغربية. ويؤكد وزير الخارجية المغربي هذا الارتياح في الكلمة التي ألقاها أمام المجموعة الإفريقية بالأمم المتحدة بتاريخ 19 نونبر 1975 بقوله: ” إن المحكمة قد أبدت رأيها وأقرت على نحو واضح وجود علاقات للبيعة الشخصية بين سكان الصحراء الغربية ومملكة المغرب، وكذلك بوجود علاقات قانونية أكدتها المحكمة وهي تبرر إلى حد كبير التجاء كل من المغرب وموريتانيا إلى إجراء مفاوضات مع الدولة الحاكمة، لأن الفقرة 94 من رأي المحكمة و كما أقرت به ينصب على أن المحكمة ترى على أنه لا توجد قاعدة في القانون الدولي تلزم دولة أن تكون لها بنية محددة، كما بينت أن تنوع البنايات في الدول الموجودة حاليا في العالم وبالتالي فإن مطلب المغرب يعد شرعيا” (44).
ولتحديد مضمونها الحقيقي، يرى القاضي اللبناني “عمون” نائب رئيس محكمة العدل الدولية في رأيه الخاص حول فتوى المحكمة حول الصحراء، أن بيعة السلطان في المغرب تكتسي في حد ذاتها صبغة سياسية ودستورية، وعلاوة على ذلك فإن السلطان كان في عهد الاستعمار الإسباني يجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، زيادة على السلطة الروحية، تلك السلطات التي كان يمارسها بواسطة ظهائر، والشيء الذي له مدلوله هو أن الظهائر تحمل توقيع السلطان دون غيره. ألا يعني هذا أن السلطان في ذلك العهد كان يجســـم الدولة التي يمارس فيها كافة السلطات واعتبارا لذلك فإن بيعة السلطان أو العاهل ترادف الولاء للدولة، ويعني هذا بالتالي أن الصلات القانونية بين المغرب والصحراء مثلما أقرت ذلك محكمة العدل الدولية تترجم الروابط السياسية بل وروابط السيادة (44).
غير أنه ينبغي أن نأخذ في الحسبان أن هذه الصلات ذات الطابع السياسي، يتعين اعتبارها كذلك مباشرة ودون التغطية عليها بصيغة بيعة السلطان مثلما جاء في نص الفتوى. وتنجم عن ذلك على الصعيد الدولي تصرفات دولية مثل الأوفاق والتصريحات الانفرادية للحكومة الأجنبية، وعلى الصعيد الداخلي أعمال السلطة المغربية.
يجب قبل كل شيء إخلاء جو المناقشة من النظرية القائلة بأن الصحراء المغربية لم تكن أرضا خلاء ليس فقط لكونها كانت لها روابط قانونية مع المغرب وموريطانيا، ولكن لأن القبائل القاطنة بها كانت منظمة سياسيا، ووقعت معاهدات مع إسبانيا (45).
وفي هذا السياق وضح أحد الباحثين المغاربة – انطلاقا من الواقع الجغرافي والتاريخي للمغرب- هذه النظرية في عرض علمي، حيث شرح رفضه للرأي الذي يميل إلى إنكار الروابط الطبيعية والإنسانية، وبصفة نهائية الروابط القانونية التي تجعل من الجزء الشمالي للصحراء “الغربية” أرضا تابعة للمملكة المغربية. وقد خلص إلى أنه يوجد بين الصحراويين وإخوانهم المغاربة ما يجعل منهم أمة واحدة، ومن جملة ذلك هناك ماضي مشترك، ونضال جماعي، ونفس العقيدة المرتكزة على ثقافة مبنية على مجهود منسق ورغبة دائمة وعزيمة حقيقية في العيش بصورة مشتركة (46).
إن النظرية الإسبانية بمجموعها متناقضة مع وجهة النظر المغربية نظرا لوجود عدة أدلة ترتكز على عمل دبلوماسي واعتبارات سلالية وعادات مشتركة وحياة اجتماعية وثقافية واحدة، لغة واحدة وديانة وشعائر دينية مشتركة، ونضال، مشترك، والطاعة للسلاطين المغاربة، وأخيرا وقبل كل شيء الرغبات المشتركة التي تشكل في مجموعها الروابط التي تجمع قانونيا عناصر نفس الأمة.
ويضيف القاضي اللبناني عمون – في تعليقه على الرأي الاستشاري حول الصحراء- أنه رغم اتفاقه مع المحكمة في أن للصحراء الغربية علاقات قانونية مع المملكة المغربية والمجموعة الموريطانية، فإنه يرفض أن هذه العلاقات تقتصر على ولاء بعض القبائل الرحل التي تعيش في منطقة الصحراء “الغربية” لسلطان المغرب.
إن البيعة للسلطان ليست إلا نوعا من العلاقات القانونية، وعند دراسة نص الفقرة 26 من حيثيات المحكمة نلاحظ ما يلي:
1- إن النص يتجاهل بتاتا فكرة الأرض عندما يقول إن المغرب كانت له علاقات قانونية مع بعض السكان، ومن الأكيد أن هؤلاء السكان لا يعيشون بين الأرض والسماء، ألم تكن منطقة الساقية الحمراء التي عاشوا فيها وساروا فيها في جميع الاتجاهات واستغلوا خيراتها الفلاحية كالنخيل والمراعي والزراعات الموسمية ومجاري المياه… كما استغلوا إمكانياتها الاقتصادية كطرق المواصلات والعبور التجاري، ألم تكن هذه الأرض أرضهم ؟ إن إسبانيا قد ارتكزت على اتفاقيات مع شيوخ القبائل لتبسط حمايتها على الأراضي التي سكنوها.
2- ومن جهة أخرى، يجب الرجوع إلى السؤال المطروح من طرف الجمعية العامة لنعطيه الجواب الصحيح، لأن السؤال جاء على هذه الطريقة، ما هي الروابط القانونية لهذه الأراضي مع المملكة المغربية والمجموعة الموريتانية… إن الروابط التي تطلب الجمعية العامة تحديدها هي الروابط القانونية لهذه الأراضي التي تدخل فيها الجمعية العامة كما هو واضح السكان وليس الروابط مع هذه الأراضي فقط….
3- إن الجواب كما ورد في منطوق الحكم مع حيثياته يتضمن إلى الوطن الأم، ومكن هذا العمل من تناقضا داخليا، وذلك لأنه يشير إلى أراضي الصحراء وعلى كل حال، فإن بيعة السلطان كانت تعادل الولاء للدولة كما سبق توضيحه، وبالتالي فالمحكمة كانت على صواب عندما أقرت عن حق قيام صلات قانونية بين المغرب والصحراء “الغربية” لدى احتلال إسبانيا لهذه الأخيرة (47).
وكما أوضحنا سابقا، فإن محكمة العدل الدولية أفتت استنادا إلى الوثائق التي بين يديها بأن الصحراء الغربية لم تكن أرضا لا مالك لها، وينبني على ذلك وجود سيادة إقليمية على هذه الأرض في وقت الاحتلال الإسباني لها، ومن المعروف أنه لم يكن بالمنطقة وجود لأية دولة –في مفهوم القانون الدولي- سوى المملكة المغربية التي كانت تمارس سيادتها على الصحراء بممارسة الأعمال التشريعية والإدارية والسياسية والقضائية (تعيين الولاة والقضاة، إبرام المعاهدات، صد العدوان الأجنبي، حماية الثغور…).
ولهذا فإننا نعتبر جواب المحكمة على السؤالين المطروحين عليها من قبل الجمعية العامة كافيا لإثبات حقوق المغرب القانونية والسياسية والتاريخية على الصحراء “الغربية”، مما يخوله الحق المطلق في استرجاع تلك الحقوق بجميع الطرق والوسائل التي يراها مؤدية لذلك (48).
وللتدليل على عمق مفهوم البيعة الذي نصت عليه محكمة العدل الدولية، فإن سلطة رئيس الدولة آنذاك حسب النظم الدولية كانت هي الدليل الوحيد على معرفة كيان أية دولة في العالم، وتقول محكمة العدل الدولية إن هذه المناطق كانت خاضعة لبيعة السلطان، والبيعة للسلطان هي أقوى روابط الوحدة الترابية لأية دولة في كل الفترات (49).
وهكذا يظهر واضحا، من خلال التحليل الذي ذهبت إليه المحكمة، أن هذه الأخيرة قد اعترفت بسيادة المغرب عندما أقرت بوجود روابط الولاء الشخصي بين سكان القبائل والسلطان، ذلك أن استنتاجات المحكمة بشأن التمييز بين الروابط الشخصية والروابط الإقليمية تمييز لا يرتكز على أساس قانوني، فالقبيلة لا تتمتع بشخصية قانونية تتصرف باستقلال في غياب السلطة المركزية، كما أن مفهوم السيادة وفق أحكام النظام الإسلامي المغربي يرتبط أساسا بالولاء الناتج عن البيعة التي هي عقد بين الحاكمين والمحكومين يهدف إلى تحقيق غايتين: الدفاع عن الإقليم، وإنشاء نظام مدني يضمن أمن الجميع وحقوق كل فرد أو مجموعة.
وحتى مع التسليم بأن الولاء المتمثل في البيعة والذي اعترفت المحكمة بأنه روابط قانونية له طابع شخصي فقط، ولكن مع ذلك فإن السكان الذين يعبرون عنه كما أكد ذلك القاضي اللبناني عمون في رأيه المشار إليه أعلاه، وهو ينتقد مفهوم المحكمة في التمييز بن الروابط الإقليمية والشخصية “لم يكونوا يعيشون بين السماء والأرض” (50).
وهكذا حال هذا البناء القانوني الذي رسمه جلالة المغفور له الحسن الثاني بنفسه دون اندلاع صراع مغربي إسباني، كما مكن من صيانة “العلاقات الأخوية” بين البلدين المتجاورين (51)، “المعنيين” مباشرة بقضية الصحراء دون غيرهما من الأطراف ” المهتمة” التي حشرت نفسها في صراع مع المغرب لمعاكسة وحدته الترابية، مدفوعة بعدة عوامل سياسية وأخرى استراتيجية.
وعلى العموم يمكن أن نستنتج أن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية جاء مطابقا للمطالب المغربية، وأجاب عن السؤالين في الاتجاه الذي كان يتوخاه المغرب، حيث جاء في بلاغ وزارة الدولة المكلفة بالإعلام عقب صدور الرأي الاستشاري في 16 أكتوبر 1975 أنه “… انطلاقا من هذه الاعتبارات فــإن المغرب يرى أن النزاع القائم بينه وبين إسبانيا قد تم فيه الفصل بصورة لا يشوبها أي غموض أو التباس، وأنه بناء على ذلك فلا يستطيع أي استنتاج آخر لأية مداولات ذات طابع سياسي لا يبررها أي احترام مطلق للحق أن ينال من روح الأحكام التي أبلغتها محكمة العدل الدولية إلى الجمعية العامة. والمغرب الذي لم يشك أبدا في حقه والذي لم يفتأ يطالب بذلك الحق، يعبر اليوم عن ارتياحه وغبطته للعدالة التي يمثلها رأي محكمة العدل الدولية، فقد كان بحثه الدؤوب خلال 20 سنة عن الحلول السلمية بواسطة الحوار مع إسبانيا تعوقه باستمرار المناورات التماطلية والرفض البات. وهكذا، وبمجرد صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية (52)أعلن جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني عن تنظيم المسيرة الخضراء للالتحاق بالصحراء وذلك بمشاركة 350 ألف مواطن ومواطنة، حيث دعا الشعب المغربي إلى مسيرة خضراء لتحرير الصحراء بالطرق السلمية من الاستعمار الإسباني.

المحور الثاني
المسيرة الخضراء، كآلية خاصة لتسوية نزاع الصحراء المغربية

لتأكيد عزمه على استرجاع إقليم الصحراء، ودفع إسبانيا إلى التفاوض معه قصد الانسحاب من هذه الأراضي (53)، أعلن جلالة المغفور له الحسن الثاني في خطاب موجه إلى الشعب المغربي في 16 أكتوبر 1975- عقب صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية – أنه سيقوم بواجبه كأمير للمؤمنين وخادم للأمة أمين، فيلتحق برعاياه في الصحراء مادامت بيعتهم له باقية في أعناقهم، وأنه سينظم لذلك مسيرة خضراء يسير فيها 350 ألف من سكان الأقاليم الشمالية والجنوبية ليصلوا الأرحام ويجددوا حبال الإخاء مع إخوانهم المغاربة الصحراويين.
وحدد جلالته في خطابه الخطة التي ستتبع خلال المسيرة الخضراء أو الزحف السلمي، فقال: سنذهب في مسيرتنا بدون سلاح، ولن نحارب إسبانيا لأنها لم تبق طرفا في الموضوع، مادامت قررت الخروج من الصحراء، وطلب من إسبانيا أن تسجل على المغاربة أنهم لن يحاربوها ولن يشهروا في وجهها سلاحا، لتكون مسؤولة أمام الرأي العام المغربي والرأي العام العالمي عن كل روح مغربية تزهق وكل دم مغربي يراق، في حالة ما إذا اعترض الجنود الإسبان المغاربة المسالمين السائرين إلى ذلك الجزء من وطنهم.
ولكن جلالته استدرك قائلا: إذا وجد المغرب في طريقه حاجزا غير إسباني، أو اعترضه عنصر أجنبي غير العنصر الإسباني، فإن المغرب لن يتردد في القيام بواجب الدفاع عن النفس وحفظ الكرامة والأرواح بل لن يتردد في الزحف الذي سيكون زحفا لصد العدوان (54).
وقد شكلت المسيرة الخضراء صفعة قوية لإسبانيا، التي أصبحت بحكم أوضاعها الداخلية لا تقدر على مواصلة مخططها الاستعماري بالإقليم، نتيجة احتضار رئيسها “الجنرال فرا نكو” وبداية دخولها مرحلة تحول سياسي على إثر وفاته، واستعادة الأمير “خوان كارلوس” العرش الإسباني (55).
وتعتبر المسيرة الخضراء حدثا تاريخيا كبيرا، لا بالنسبة إلى المغرب وحده، وإنما بالنسبة إلى الإنسانية جمعاء. وإذا كانت بطولة الحرب وأعمالها المسلحة صعبة وشاقة فإن بطولة السلام وأعماله السلمية ليست هي الأخرى سهلة أو ناعمة، فبين النضال السياسي السلمي والنضال السياسي المسلح فاصل كبير، ولهذا يعد الانتصار بالنضال السياسي السلمـي ثمرة نفسيـة من ثمار خبرة سامية في السياسة وفي الاستراتيجية العليا، وفي جميع شؤونها القانونية والاقتصادية والإنسانية والحضارية.
ووقوع الاختيار على تنظيم المسيرة الخضراء، يعكس زيادة على ذلك، الإشعاعات الدينية والصوفية والجهادية في أعماق الإنسان المغربي الذي تطوع بروح دينية ووطنية فدائية مثالية.
إن المسيرة الخضراء حدث تاريخي من نوع استثنائي فريد، سجلته سنة 1975 لا ليكون حدثها وحدها، ولا ليكون حدث القرن العشرين , وإنما ليكون حدث كل عصور التاريخ، فعلى ضوئها يستطيع الباحث أن يجد تفسيرا لكثير من أحداث التاريخ وقضاياه في مختلف العصور التاريخية. إن المسيرة الخضراء السلمية العزلاء، كانت إذن مسيرة قوية، لأن إرادة الشعب المغربي في كل مكان من المغرب عقدت عزمها على أن تنتصر مهما كانت التضحيات والتكاليف والجهود، ومهما طالت مدة السير (56).
لقد كانت المسيرة المذكورة نقطة تحول في قضية الصحراء، وكل ما تلاها من إجراءات ومبادرات وأحداث إنما يكون نتيجة حتمية لها، فلولاها لما تنازلت إسبانيا عن موقفها العنيد الذي دافعت عنه بجميع الوسائل عشرين سنة، مؤكدة دون خجل أن الصحراء جزء من ترابها، ولأنه كيفما كان الأمر لا حق للمغرب في المطالبة بها. ولولا تلك المسيرة لما أصدر مجلس الأمن توصياته الثلاث التي أهابت بأطراف النزاع إلى اللجوء إلى المفاوضة التي تفرضها المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، ولولاها لما أرغمت إسبانيا على إبرام الاتفاق الثلاثي بمدريد الذي جعل حدا لوجود إسبانيا بالصحراء والذي اعترف صراحة بحق المغرب، ولولاها لما أمكن للجماعة الصحراوية أن تتوفر على حق تقرير مصير الإقليم، وأن تصادق على رجوعه إلى الوطن الأب.
إن المسيرة الخضراء فلسفة وأسلوب أفصح جلالة الملك الراحل الحسن الثاني – في خطابه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء لسنة 1981- عن الدروس التي يجب أن نستخلصها منه، وهي:

-الدرس الأول والنتيجة القصوى ألا وهو التحام الشعب والتفاف كلمته حول هدف وطني.
-الدرس الثاني وهو التضحية إن اقتضى الحال بكل غال ونفيس.
– الدرس الثالث والأهم، يكمن في الاستمرارية في طلب الحق (57).
وقد عرفت قضية الصحراء المغربية، في هذه المرحلة , على المستوى الدبلوماسي تطورات هامة فاجأت جميع المراقبين، حيث أدى ضغط المسيرة الخضراء إلى إبرام اتفاقية مدريد بين المغرب و إسبانيا وموريتانيا في 14 نونبر 1975 , و المصادق عليه من طرف – الكورتيس – البرلمان- الإسباني في العشرين من نفس الشهر. ويعتبر هذا الاتفاق إيجابيا إلى أعلى مستوى، حيث وضع حدا للاستعمار الإسباني للصحراء المغربية و تم سحب آخر الموظفين والجنود الإسبان في 28 فبراير 1976 لتعود الصحراء المغربية بصفة نهائية إلى الوطن الذي ترتبط به منذ قرون. وقد تم تحقيق هذا الاتفاق بدون إراقة الدماء، حيث فتح آفاقا جديدة للسلم والتعاون بين الشعوب، وجنب أي تصادم عسكري بين المغرب والجزائر، لهذا فهذا الاتفاق عمل على حفظ و تدعيم السلم والأمن في المنطقة طبقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة (58).

الفقرة الأولى: دور المسيرة الخضراء في إنهاء الاحتلال الإسباني

شكلت المسيرة الخضراء بحق إبداعا استثنائيا للعبقرية المغربية، من جهة لأنها جاءت متفقة مع ميثاق الأمم المتحدة الذي يلح على فض المنازعات الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر، وهذا ما جعل المغرب يتلافى أية مواجهة عسكرية مع إسبانيا، ومن جهة ثانية للطابع المحكم الذي صاحب هذا الزحف البشري (350 ألف متطوع ) في أروع مسيرة سلمية (59).
إن مغزى المسيرة الخضراء أشد عمقا من الطرق السلمية المعروفة , وأقوى دليلا على رابطة الولاء القائمة بين الملك والشعب المغربي، وصيانة لتقاليد البيعة المتجدرة في التقاليد التاريخية بالمغرب , بسلوك لا يجادل أحد في نجاعته وسلامته الموضوعية عند تخطي الحدود الوهمية من صنع الاستعمار عانى الحصار وبقي حبيسه، مما جعل المسيرة الخضراء مكسبا إيجابيا من منظور قانوني دخل حيز التطبيق بإدماج الصحراء ضمن الوطن (60).
وإذا كانت المسيرة الخضراء , قد أثارت في الرأي العام الدولي عدة تعاليق متضاربة، فإن هذا يبين مدى أهمية هذا الحدث العظيم، إن الأمر لا يتعلق بنزوة شخصية ولا بمغامرة أو قرار غير محسوب العواقب أو قرار غير مسؤول، و لا بضرب من الصدفة في الميدان السياسي الدبلوماسي، ولكنه إيمان ملك وشعب.
فالمسيرة الخضراء تستقي جوهرها وحماسها من تاريخ عريق صنع هوية المغرب العميقة ومن تاريخ المغرب المعاصر، البلد الذي عرف كيف يزاوج بين نضاله التحرري وبحثه المستمر على السلم. وباختصار، هذه المعجزة لا يمكن أن تولد وتقع وتزدهر إلا في بلد مليء بالتحديات، فالمسيرة الخضراء دخلت التاريخ وأصبحت تنتمي إلى التراث العالمي المشترك في نفس مستوى التواريخ الكبرى التي طبعت تاريخ الإنسانية (61).
إن قرار تنظيم المسيرة الخضراء (62)، خلق وضعية جديدة وغير منتظرة، هذا القرار بعثر جميع حسابات القوة المستعمرة، وفاجأها بل وأذهلها إلى حد لم تعد قادرة علــى مواجهــــة الموقف (63). فقد كــان هذا القرار الحاسم ابتكارا فريدا من نوعه في حــل المشاكل المستعصيـة بالطرق السلميــة، فالمسيــرة الخضراء التي ضمت 350 ألف من المواطنين المغاربة جسدت عزيمة المغرب واستعداده للتجند السريع لخوض معارك تحرير أراضيه المستعمرة بالطرق السلمية.
لقد جاءت فكرة المسيرة الخضراء الشعبية كأسلوب وحيد ممكن (64) لممارسة الضغط على المحتل بشكل مباشر، وقد كانت مبادرة مفاجئة أربكت كل الحسابات التي كانت تراهن على عجز مغربي مطلق، وتنتظر قيام “الدويلة الصحراوية التابعة” في الصحراء باطمئنان تام (65).
لقد كانت المسيرة الخضراء مسيرة فتح، هدفها استرجاع الحق المسلوب، وسلاحها ذلك التجاوب المثالي بين العرش والشعب وتلك الوحدة المتراصة والإيمان بالمشروعية وتعاضد الشعوب العربية والإفريقية، ومن سماتها أنها:
– مسيرة شعبية شارك فيها 350 ألف مواطن مغربي وتطوع لها مئات الآلاف الأخرى.
– مسيرة برهنت فيها المرأة المغربية على حسها الوطني ووعيها بواجباتها نحو بلادها.
– مسيرة مدعمة برأي استشاري نطقت به أعلى سلطة قضائية دولية.
– مسيرة سلمية مسالمة، حمل فيها المتطوعون المصاحف والأعلام الوطنية، لأنها مسيرة العودة إلى الوطن.
-مسيرة جاءت لتؤكد أن حب المغربي لأرضه واستعداده للتضحية في سبيل وطنه، هو نتيجة تلك العلاقة التي تربطه بملكه، وذلك التعلق القوي بالحرية والكرامة.
إن اختيار المغرب تنظيم مسيرة سلمية من أجل استرجاع حق مشروع، في وقت يسود فيه العنف والإرهاب، ليحمل في طياته أصدق معاني الإخلاص لمبادئ السلام والحرية والعدالة (66).
وقد جاءت المسيرة الخضراء لتؤكد الأداء السلمي للمملكة المغربية، وحرصها الشديد على فض نزاعاتها بالطرق السلمية وفقا لمبادئ ميثاق منظمة الأمم المتحدة وخاصة فصله السادس المتعلق بحل المنازعات حلا سلميا. وهذا ما يتجلى في التوصيات التي وجهها جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني عشية اليوم الذي سبق انطلاق المسيرة الخضراء:
“شعبي العزيز، كما قلت لك في خطابي الأول، إذا ما لقيت إسبانيا، كيفما كان حال الإسباني، عسكريا أو مدنيا، فصافحه وعانقه واقتسم معه مأكلك ومشربك وأدخله مخيمك، فليس بيننا وبين الإسبان غل ولا حقد فلو أردنا أن نحارب الإسبان لما أرسلت النـــاس عزلا، بل لكنا أرسلنا جيشا باسلا، ولكننا لا نريد أن نطغى ولا أن نقتل ولا أن نسفك الدماء، بل نريد أن نسير على هدي من الله في مسيرة سلمية. ليستدرك قائلا: ‘‘.. وفيما إذا اعتدى عليك المعتدون من غير الإسبان في مسيرتك، فاعلم شعبي العزيز أن جيشك الباسل موجود لحمايتك ووقايتك ضد كل من أراد بك السوء ‘‘(67).
إن المسيرة الخضراء تأخذ دلالاتها وأهميتها ليس فقط من تنظيمها المحكم، ولا من دلالاتها السياسية العميقة، ولكن من ذلك الحماس الوطني الذي تدفق من جميع أقاليم المغرب، لقد تفجر فيها حماسها الديني الذي اختلط بالولاء المطلق للملك.
فقد ارتكزت المسيرة الخضراء على الوحدة الوطنية وعلى الحماس الإسلامي الذين بطبيعتهما يشكلان عنصرين متلاحمين، مما يجعلها لحظة تعبير جماهري وشعبي تستلهم ملحمتها من العقيدة الإسلامية، وكانت أيضا أداة ضغط على الطرف الإسباني، وأيضا وسيلة لتعزيز أواصر البيعة بين الشعب و الملك من أجل وحدة الأمة وراء قائدها (68).
لهذا نكتشف أن المرجعية الدينية للمسيرة الخضراء (69) تحيلنا على إيمان الشعب المغربي بقضيته الوطنية وتسلحه بكتاب الله لتحرير صحرائه في مسيرة سلمية وشعبية. وهكذا سارت بعض التحاليل إلى اعتبارها مسيرة معجزة حققت أهدافها وأحرزت على نتائجها دون سلاح ولا قطرة دم، بل هي مسيرة لأجساد تخطوا في ثبات وثقة لا حد لهما، وتتلو آيات الحق وترفع كتاب الله، ويدفعهم زفير روح المواطنة لمواجهة المحتل (70). فيما ذهبت بعض التعاليق على اعتبارها تشكل رمزا لعبقرية رئيس دولة، إنها كذلك برهان على التحام الأمة وقائدها، كما أن هذا الحدث لم يكن ممكنا لولا الثقة المتبادلة (71).
فالمسيرة الخضراء صفحة مشرقة في تاريخ المغرب ونبراسا يهتدى به ومثلا يحتذى للمسيرات المتتالية (72)، وهي مبادرة سلمية تشكل خطوة حاسمة و إيجابية في تحرير الصحراء المغربية، حيث نتج عنها التفاوض الرسمي الذي أدى إلى توقيع اتفاقية مدريد المذكورة التي تضمنت اتفاق الأطراف على خروج المستعمر من الصحراء، فقد أدهشت عقول السياسيين وغيرت وجهة نظر المستعمر بما تجمع لها من نظام إداري و اتجاه سياسي وحماس وطني(73).
لقد استعد الشعب المغربي، على المستوى الداخلي – بجميع مكوناته بإجماع نادرا ما تحقق– لكتابة صفحة مجيدة من تاريخ المغرب، وعلى المستوى الدولي تبلورت موجة عارمة من التضامن مع المغرب، وأخذت تتوسع في الأيام التي تلت الخطاب الملكي المعلن عن قرار تنظيم المسيرة الخضراء، وذلك لدعم مطالب المغرب المشروعة و مبادرة عاهله لاستكمال وحدة المغرب الترابية.
أما على المستوى الإفريقي، فقد ساندت السودان مشروعية قضية المغرب، كذلك الشأن بالنسبة إلى أوغندا والسنغال والغابون الذي صرح رئيسه السيد عمر بانغو Bongoبأنه في اليوم الذي سيبدأ فيه الشعب المغربي مسيرته السلمية في اتجاه الصحراء سيتم بموازاة ذلك تنظيم مسيرة أخرى عبر أرجاء العاصمة ليبروفيل Libreville. وذلك تعبيرا عن التضامن و الأخوة مع الشعب المغربي (74)، وهو نفس الموقف الذي تبنته أغلب الدول الإفريقية. وعلى العموم, إن قرار إشراك الشعب في القيام بهذه المسيرة عمل يجعل من الحدث أمرا فريدا من نوعه، وهو ما يمكن أن يفسر لنا بأنها قضية الجميع ومسؤولية الجميع، ولا يحق لمواطن مغربي أن يتخلى أو يتخلف عن هذا المبدأ، لأن تحرير الصحراء أول ضرورة تحدد وجه الوطنية شروط الإخلاص و الوفاء لمبدأ الوحدة الترابية.
وعليه فإن العمق الفلسفي لهذا الحدث الذي لم يكن ليعبر فقط عن قدرة الشعب ودوره في عمليات الوطن التاريخية، بل ليكون أيضا شهادة أمام الأجيال المتطورة في تاريخ المغرب، شهادة تنم عن البعد الذي تتصف به الرؤية الوطنية لأحد قادته الأبطال.
وهكذا تضمن القرار كل العناصر التي تضعه في مربع الاستفتاء بالشروط التاريخية، لأنه قرار وطني، ديمقراطي، إسلامي، إضافة لكونه قرار سلام يعبر عن بعد نظر.
و بذلك تكون المسيرة الخضراء، قرار ملك وشعب، تعاهدا على استكمال الوحدة الترابية للبلاد، بواسطة قرار تضمن على نحو المعجزة كل العناصر التي تصنف هذا الحدث بمعانيه الوطنية و الديمقراطية و الدينية، مما يجعله بالفعل حدث الماضي و المستقبل.
ومن جهة أخرى، فقد جاءت المسيرة الخضراء بمبدأ جديد في المعاملات الدولية، ويقضي بجعل الأسرة الدولية على حد سواء من المسؤولية عن الأمن و السلم في منطقة مهمة من العالم، بحيث إن الإجراء الذي جاء به مشروع المسيرة الخضراء يقضي بإشراك الأسرة الدولية في مسؤولية اتخاذ هــذا القرار، فالمغــرب تحرك قبل الإعلان عن تشكيل المسيرة التاريخية على أكثر من مستوى سياسي و قانوني، محلي ودولي (75).
إن المسيرة الخضراء التي لقيت تقدير ودعم باقي الشعوب التي جاءت من كل جهات العالم لترافق المغاربة في هذه المسيرة الملحمية، تشكل نموذجا للتسوية السلمية للخلافات، إنها مكنت من التوصل العادل إلى تصفية كبرى لاستعمار ذي أخطار انفجار شديد في المنطقة(76). فحسب الممثل الدائم للمغرب في الأمم المتحدة، فإن المسيرة الخضراء هي وسيلة من الوسائل السلمية التي فضل المغرب اللجوء إليها لتحقيق الاعتراف بحقه في الوحدة الوطنية و الإقليمية (77).
وقد جاء في وصف جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني للمسيرة الخضراء ما يلي: “… طوبى لكم أيها المتطوعون، لأنكم خلقتم مدرسة سياسية جديدة، ووعيا سياسيا جديدا في المغرب “(78).
لقد شكلت المسيرة الخضراء حدثا تاريخيا، جسد منهجية جديدة في الفكر التحريري الإنساني الذي استلهم الخصوصية المغربية في أبعادها الحضارية المتجذرة في الكيان المغربي. و بهذا، ستظل ملحمة المسيرة الخضراء معلمة وضاءة في تاريخ المغرب منقوشة في الذاكرة، لأنها كانت بمثابة تحد لكل العراقيل التي كانت تقف في طريق تحقيق إرادة قائد وشعب، وقد شكلت انتصارا ينضاف إلى الانتصارات الدبلوماسية التي حققها المغرب على هذا الصعيد، كما شكلت أداة لاسترجاع المغرب لحقه الشرعي، و الاعتراف له بسيادته على أقاليمه الصحراوية التي تشكل جزءا من المساحة الجغرافية للمملكة ككل (79). وهذا ما جعل جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني يعتبر المسيرة الخضراء أعظم منجزاته، عندما طرح عليه مندوب جريدة ” لوفيغارو” الفرنسية في 19 أبريل 1996, السؤال التالي: منذ بداية حكمكم ما هو الشيء الذي تفتخرون به أكثر من غيره؟ “، فرد جلالته:” إنه المسيرة الخضراء التي شـارك فيها 350 ألــف شخص مما شكل أكبر جيش في العالم لم يسبق أبدا تعبئة مثله في ظرف ثلاثة أشهر، لـم يكن يحمل أي سلاح، و لم يفقد أي فرد من أفراده، بل على العكس من ذلك سجل إحدى عشرة ولادة، لأن بعض النساء أخفين عنا أنهن حاملات حرصا منهن على المشاركة في المسيرة. فهذه المسيرة مكنتنا من استرجاع ثلث ترابنا الوطني دون إراقة قطرة دم واحدة، وهذه المسيرة سلاح الناس فيها القران الكريم في اليد اليمنى و العلم في اليد اليسرى لم يبلغ حتى عدد أفراد جيوش الماغول عدد المشاركين فيها”، وعندما سأله مندوبا القناة التلفزية الفرنسية الثانية عن أسعد لحظة، أجاب جلالته:” أفضل لحظة هي بالتأكيد عندما خطرت ببالي فكرة المسيرة الخضراء” (80).
ومما تجدر الإشارة إليه، وفي قمة الأزمة وقبل أن تنطلق المسير ة بأقل من 48 ساعة، أعلنت الحكومــة المغربية أن السيد خطري ولد سعيد الجماني رئيس الجماعة الصحراوية وعضو البرلمان الإسباني، وهو من الشخصيات الكبيرة التي كانت تقود نضال الصحراويين، قد جاء إلى المغرب لكي يجدد البيعة لجلالة المغفور له الحسن الثاني الذي أعلن له عن صفحه و غفرانه لكل ما ارتكبه الخارجون عن البيعة في الصحراء ­(81).
إن قرار المسيرة الخضراء كان يعبر عن فكرة تتميز بالأصالة و المفاجأة و السلامية، مما أدى إلى ترجيح كفة التوازنات داخل مجلس الأمن لصالح الموقف المغربي، إذ لم يبادر المجلس في أي من قراراته إلى إدانة العملية رغم رفض المغرب الاستجابة لنداء رئيس مجلس الأمن بإيقافها، كما أن قرارات مجلس الأمن كانت تركز على دعوة جميع الأطراف إلى ضبط النفس و التعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة (82). وطبقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وخاصة المادة 33 منه التي تدعوا أطراف أي نزاع إلى التسوية عن طريق عدة وسائل سلمية يما فيها المفاوضات، أمر المغرب بإيقاف زحف المسيرة الخضراء لفتح المجال للمفاوضات التي جرت في مدريد بين المغرب و إسبانيا بحضور وفد عن موريتانيا، و التي انتهت بتوقيع اتفاقية مدريد الثلاثية التي نصت على فترة انتقالية، تتميز بقيام إدارة ثلاثية لمدة ثلاثة أشهر، يليها تسليم السلطات مع احترام رأي السكان الصحراويين المعبر عنه من طرف الجماعة.

الفقرة الثانية الأبعاد الدبلوماسية للمسيرة الخضراء و اتفاقية مدريد

مع انطلاق المسيرة الخضراء، اصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 380 في 6 نونبر 1975 , والذي أشار فيه إلى مسألة التفاوض بين الأطراف المعنية بقضية الصحراء طبقا للمادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة في الفصل السادس المتعلق بحل النزاعات الدولية حلا سلميا. وهكذا أعاد هذا القرار ملف الصحراء إلى أجواء سنة 1965 عندما كان المغرب يطالب بأرضه، وأوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة آنذاك كلا من إسبانيا و المغرب باللجوء إلى المفاوضات لتصفية الاستعمار في المنطقة.
وبعد اتصالات مكثفة بين مدريد و الرباط، قبلت إسبانيا في نهاية المطاف الرجوع إلى نقطة البداية لتدارك ما أفسدته الأجواء السياسية، بالدخول في مفاوضات طالما طالب بها المغرب كأسلوب تتبناه منذ البداية للمطالبة بالاستقلال و استكمال السيادة على أقاليمه المستعمرة، مما يلازم ما دعت إليه الأمم المتحدة من تفاوض عند بداية النزاع، وقبول موريتانيا أيضا التفاوض (83)، مما أدى إلى تطور الأحداث بالمنطقة التي شملت تحركات ديبلوماسية مكثفة بين إسبانيا و المغرب و موريتانيا.
إلا أن تأثير انطلاق المسيرة الخضراء وتوغل المشاركين داخل الصحراء بمسافة
xml:namespace prefix = st1 ns = “urn:schemas-microsoft-com:office:smarttags” />15 كيلومتر، أدى في نهاية المطاف إلى إعادة التوازن في الموقف الإسباني لصالح المغرب، فبتاريخ 8 نونبر 1975 قام الوزير الإسباني المكلف بالصحراء “انطونيو كارو مارتينيز” بالتوجه إلى أكادير، حيث التقى بالملك وأجرى مباحثات مع الوزير الأول ووزير الخارجية المغربي، وتم الاتفاق على العودة من جديد إلى طاولة المفاوضات، التي كانت قد انطلقت بعد الإعلان عن تنظيم المسيرة الخضراء ودعوة الأمم المتحدة لأطراف النزاع إلى اللجوء للتفاوض.
وحتى يتمكن المسلسل التفاوضي من تحقيق أهدافه على أساس التوازن، ودون أية وسيلة ضغط، طلب جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني من المشاركين في المسيرة الرجوع إلى مدينة طرفاية، حيث جاء في الخطاب الذي ألقاه بتاريخ 9 نونبر 1975:”… فلنرجع إذن إلى منطلقنا، حتى يمكننا أن نبني تلك العلاقات , علاقات الاحترام المتبادل و الكرامة المصونة و بين إسبانيا… نريد أن نبنيها انطلاقا من أساس مهم جدا, وهو أنه ليس هناك غالب ولا مغلوب “.
إن عودة الإسبانيين إلى متابعة المفاوضات مع المغرب كان مشروطا بعدم الخضوع لضغط الوجود المغربي المتمثل في المسيرة الخضراء. وهكذا، فإن الرجوع إلى طرفاية ظل ذا صبغة مؤقتة، أي في انتظار التوصل إلى حل سلمي، على أن يعود المشاركون إلى الانطلاق في حالة فشل المفاوضات.
وبتاريخ 11 نونبر من نفس السنة، توجه إلى إسبانيا وفد مغربي برئاسة الوزير الأول أحمد عصمان، ثم التحق به فيما بعد وفد موريتاني برئاسة وزير الخارجية حمدي ولد مكناس(84) وجرت بين المفاوضين مذاكرات استمرت ثلاثة أيام استقبلهم في نهايتها يوم 14 نونبر 1975 الأمير خوان كار لوس (ولي العهد آنذاك)، وبعدما اطلع على نتائج أعمالهم ووافق عليها صدر بلاغ مشترك يعلن عن وصول المفاوضات بين الدول الثلاث إلى نتائج مرضية تستجيب لرغبتها الأكيدة في التفاهم من أجل الإسهام في حفظ السلام والأمن الدوليـــــين (85). وبذلك تم إبرام اتفاقية مدريد الثلاثية في 14نونبر1975(86) التي نصت علـى إحداث إدارة انتقالية ثلاثية تشرف على تسيير الإقليم إلى حين الانسحاب الإسباني النهائي منه في 28 نونبر 1976، كما نص الاتفاق على إجراء استشارة السكان بشأن مضمون هذا الاتفاق عن طريق “الجماعة” التي تمثلهم.
وقد تم إبرام اتفاقية مدريد طبقا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وخاصة المادة 33 منه، التي تحث على اللجوء إلى المفاوضة كأول وسيلة من الوسائل السلمية لتسوية المنازعات الدولية (87).
إن مقتضيات اتفاقية مدريد(88) صريحة فيما يتعلق بوضع حد نهائي لقضية تصفية الاستعمار الإسباني من الصحراء، إن هذا الجانب يكتسي صبغة قانونية لأنه يقع كاستمرارية لقرارات الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية المختصة باعتباره نزاعا قانونيا ثنائيا مغربيا- إسبانيا، وكان استجابة لقرارات مجلس الأمن الدولي التي كانت تدعو الأطراف إلى اللجوء للمفاوضات طبقا للمادة الثالثة والثلاثين من ميثاق الأمم المتحدة.
وقد جاء في المادة الأولى من الاتفاقية أن إسبانيا تؤكد من جديد قرارها، الذي أعلنته مرارا في الأمم المتحدة، بتصفية الاستعمار في إقليم الصحراء الغربية، وذلك بوضع حد للمسؤوليات والسلطات التي تتولاها في هذا الإقليم بوصفها الدولة المتصرفة القائمة بالإدارة. وجاء في المادة الثانية أن الوجود الإسباني سينتهي نهائيا قبل 28 فبراير 1976.
إن مشروعية اتفاقية مدريد تبدو على مستوى التحديد المجرد لصيغة ” الطرف المعني ” بالمفاوضات، ومن هذه الناحية تعتر اتفاقية مدريد استمرارية لقرارات منظمة الأمم المتحدة، هذه القرارات التي لم تكن إلا إفرازا للنزاع الثنائي المغربي الإسباني المتعلق بتسوية قضية السيادة على الصحراء الغربية وإيفني حتى سنة 1969 (89).
إن اتفاقية مدريد كانت صريحة في هذا الجانب بما فيها اعتراف إسبانيا قانونيا بالمغرب ” كطرف معني”، إن هذا الاعتراف القانوني يشكل رجوعا إلى الحل الموضوعي وتنازلا من طرف إسبانيا عن الاستراتيجية الاستعمارية التي شكلتها على صعيد الأمم المتحدة.
ورجوعا إلى قرارات الأمم المتحدة نجد أن الطرفين المعنيين بنزاع تصفية الاستعمار هما: المغرب وإسبانيا. لكن ما هو الوضع القانوني لموريتانيا في اتفاقية مدريد ؟.
لقد جاء في المادة الثانية من الاتفاقية: “أخذا بالاعتبار هذا القرار (أي نزاع تصفية الاستعمار من الصحراء) وطبقا للمفاوضات التي دعت إليها الأمم المتحدة بين الأطراف المعنية، فإن إسبانيا تقوم مباشرة بإنشاء إدارة انتقالية، في الإقليم بمشاركة المغرب وموريتانيا… “.
نستخلص من هذا النص أن الاتفاقية تعطي لموريتانيا صفة “طرف معني” في نزاع تصفيـة الاستعمار، إلا أننا لا ننكر الجانب السياسي في الاتفاقية إذا ما حللنا الوضع الخاص لموريتانيا في نزاع الصحراء منذ حصولها على الاستقلال سنة 1960. ويتجلى هذا الجانب في ظرفية التفاوض وتوقيع الاتفاقية، وطبقا للمادة الخامسة من تلك الاتفاقية التي جاء فيها أن “الأطراف” الثلاثة المتعاقدة قد توصلت إلى هذه الاتفاقية”… كمساهمة من جانبها في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين…”. إن هذه المادة تبرز الجانب المتعلق بتوازن القوى في بنود الاتفاقية، بعبارة أخرى إذا كانت اتفاقية مدريد قد سوت النزاع القانوني المغربي. الإسباني، وهي في الحقيقة لم تكن إلا تسوية جزئية، فإنها وبصورة متوازيــــة قـــد ســــوت نزاعا سياسيا مغربيا- موريتانيا وخلقت توافقا ثنائيا ذا طبيعة سياسية يتعلق بتخطيط الحــدود المغربية الموريتانية (90).
ولقد تم التوصل إلى هذا التوافق على حساب الوحدة الترابية للمغرب على القسم الجنوبي من الصحراء (إقليم وادي الذهب). إن التحليل الموضوعي لقضية الصحراء لا يتجاوز إعطاء موريتانيا صفة “طرف مهتم”، وتجاوز هذه الصفة هو دخول إلى الجانب السياسي في تحليل النزاع.
وبنفس القدر، فإن الوضع القانوني للجزائر في قضية الصحراء لا يمكن أن يتجاوز صفة “الطرف المهتم”، على اعتبار أنها لم تشارك في المفاوضات وبالتالي لم توقع اتفاقية مدريد، إن الظرفية السياسية في إبرام الاتفاقية كان من الممكن أن تخلق توافقا ثنائيا مغربيا جزائريا على غرار التوافق المغربي الموريتاني (91) لولا معارضة الجزائر، التي خلقت بذل هذا التوافق نزاعا ثنائيا سياسيا مغربيا جزائريا، أصبحت فيه الجزائر “طرفا معنيا” بعد مرحلة تصفية الاستعمار الإسباني من الصحراء المغربية.
ومن ناحية أخرى، فإن اتفاقية مدريد بوضعها حدا للاستعمار الإسباني، حددت مباشرة النظام القانوني لإقليم الصحراء المغربية، وكانت من هذه الناحية أيضا استمرارية لقرارات الأمم المتحدة التي كانت تدعو إسبانيا دائما إلى إجراء مفاوضات تتعلق بتسوية مشكلة السيادة على الإقليم، فالأصل في نزاع الصحراء المغربية هو ثنائية النزاع المغربي الإسباني، وتسوية النزاع تمر عبر قيام مفوضات مغربية إسبانية تنتهي بدورها إلى تسوية مشكلة السيادة، وتفسير ذلك تعدد الوسائل التي يمكن بواسطتها تحويل السلطات، إن هذا التحويل يتراوح بين تطبيق استفتاء لتقرير المصير في حالة حصول اتفاق بين الطرفين المعنيين بالنزاع، ومجرد التحويل المباشر دون اللجوء إلى تقنيات تقرير المصير كما تم في تسوية قضية مدينة إيفني، ومع ذلك فإننا لا ننكر الجانب السياسي لمبدأ تقرير المصير في النزاع المغربي الإسباني وفي الحالة الخاصة بإقليم الصحراء المغربية (92).
ومن النقط الرئيسية التي جاءت بها اتفاقية مدريد هي احترام رأي سكان الصحراء المعبر عنه من خلال الجماعة (الفصل الثالث من الاتفاقية)، وهو ما يدفعنا إلى بحث خلفيات ودلالات هذه الاستشارة.
لكن علينا ألا ننسى أن إسبانيا كان لها أعضاء موالون في “الجماعة”، منهم من كان يعمل لصالح إسبانيا، كما أن لإسبانيا مواقف دولية خاصة، فيبقى الحل الوحيد لإنقاذ “دم وجه إسبانيا” سواء لدى الجماعة أو لدى الرأي العام الدولي هو أن ينص في الاتفاقية الثلاثية على احترام رأي الجماعة. ومن جهة أخرى، فإن المغرب هو الآخر قد وجد في احترام رأي الجماعة متنفسا له لدى أهل الصحراء نظرا لوجود موريتانيا في المفاوضات (93).
والجدير بالذكر أن البرلمان الإسباني وافق في 19 نونبر 1975 على اتفاقية مدريد وعلى المرسوم الملكي الذي أذن للحكومة الإسبانية بالتخلي عن إقليم الصحراء. ويضم هذا المرسوم فقرة ذات أهمية بالنسبة إلى الحق الذي كان يطالب به المغرب منذ عشرين سنة، فجاء فيه أن: “الصحراء لم تكن في يوم من الأيام تشكل جزء من التراب الوطني للمملكة الإسبانية”، فكان ذلك اعترافا واضحا من طرف الحكومة الإسبانية بأن ما كانت تدعيه من قبل ما هو إلا مجرد افتراء وتضليل، كما أصبح واضحا بأن المغرب كان على حق عندما طالب باسترجاع أراضيه الصحراوية (94). ومما يجب التأكيد عليه أيضا أن اتفاقية مدريد أخذت بعين الاعتبار تقرير المصير للشعب الصحراوي، وذلك من خلال بيعة الجماعة، تلك الجماعة التي كانت آنذاك هي البرلمان المقرر لشؤون الصحراء بالنسبة إلى المستعمر (95). ومما جاء في البرقية التي رفعها إلى جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني رئيس الجماعة الصحراوية، أن هذه الأخيرة إذ تعبر عن ارتياحها وتأييدها المطلق لعودة الأمور إلى مجراها الطبيعي والتاريخي ورجوع الأرض إلى أهلها وذويها، تعبر في الحقيقة عن رأي جميع الفئات الصحراوية وكافة القبائل التي هي الممثلة الحقيقية والشرعية لها، ومما لا شك فيه أن الشكل الذي تمت به تصفية الاستعمار بهذا الإقليم يستجيب لمطامح ورغبة السكان مساهمة فعالة لاستتباب الأمن في المنطقة (96). وتنفيذا للفصل الثالث من اتفاقية مدريد عقدت الجماعة الصحراوية بتاريخ 26 فبراير 1976 بالعيون جلسة استثنائية صادقت فيها بإجماع الأعضاء الحاضرين على تصفية الاستعمار بالصحراء المغربية وعودته إلى الوطن اعتبارا للواقع التاريخي وأواصر البيعة.
وهذا ما جعل جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني يعتبر أن تقرير المصير بالصحراء. بالنسبة إلى المغرب، قد تم انطلاقا من الوقت الذي جاءت فيه الجماعة الصحراوية لتقدم مراسيم البيعة، وهذه الجماعة الصحراوية نفسها هي التي كانت أساسا قد وضعت بين يديها سيادة وتمثيل الصحراء لأنها هي التي كانت ستحول إليها السيادة والسلطات (97).
وهكذا، فاتفاقية مدريد مكنت من وضع حد لوضعية معينة وفتحت الطريق لوضعية أخرى تعني بالنسبة إلى المغرب الانتقال من موقف المطالبة بالصحراء المغربية إلى موقف الدفاع عنها (98)، حيث إن هذه الاتفاقية أدت إلى خلق وضع جديد على مستوى النقاش داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ذلك أن هذه الأخيرة اعتادت أن تناقش ملف الصحراء في إطار المواجهة التقليدية بين قوى التحرر في العالم الثالث والإمبراطوريات الاستعمارية، أما في ظل الوضع الجديد فقد فتح المجال لمواجهة جديدة بين المغرب وموريتانيا من جهة، واللذين يعتبران أن اتفاقية مدريد مطابقة لأحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، والجزائر من جهة أخرى التي كانت تعارض هذا الاتجاه وتلح على ضرورة تطبيق مسطرة تقرير المصير للصحراويين، وأصبحت تعتبر نفسها طرفا معنيا على الصعيد الجيوسياسي، على اعتبار أن لها حدودا مع الإقليم، وأن استرجاع المغرب لأقاليمه الصحراوية سيؤدي إلى اختلال توازن القوى في منطقة شمال غرب إفريقيا، موقفها هذا دفعها إلى المساهمة في تأسيس ودعم ما يسمى بجبهة البوليساريو الانفصالية (99). لمعارضة استرجاع المغرب لأقاليمه الصحراوية التي ثبتت مغربيتها بحجج تقوم أولا على الواقع الجغرافي والتاريخي والسلالي، كما تقوم على المعاهدات كلها. بما في ذلك معاهدة الجزيرة الخضراء المبرمة سنة 1906 والبيان المغربية الفرنسي المشترك والبيان المغربي الإسباني المشترك الموقعان سنة 1956. تعترف كلها بسيادة السلطان ووحدة المغرب وتمام أراضيه الوطنية.
وتقوم حجج المغرب أيضا على العديد من الوثائق والمستندات القانونية والسياسية والإدارية من ظهائر التعيين ومراسلات ملكية ورسوم شرعية، ورحلات سلاطين المغرب للقبائل الجنوبية الصحراوية، بالإضافة إلى مواجهة السكان المحليين باسم السلطان للغزو الأجنبي ومقاومة الشيخ ماء العينين للمستعمر بأمر من السلطان وتنسيق معه.

الهوامش:

(1) راجع: عبد العزيز عزت، “مشكلة الصحراء المغربية”، وارد في: محاضرات الدورة الإعلامية التثقيفية عن إفريقيا خلال الفترة من 22/11/1986 إلى 25/12/1986، القاهرة، الجمعية الإفريقية، 1987، ص 133.
(2) راجع: حسن عبد الخالق، البوليساريو، لعبة تحت المجهر، الرباط، مطبعة إليت، 1992، ص 23.
(3) La résolution de l’assemblée générale des Nations Unies 3458B (XXX).
Sur l’accord de Madrid, V. Claude Rucz: un référendum au Sahara Occidental ? “, AFDI, 1994, PP 243-259.
(4) أنظر: الصراع حول الصحراء المغربية، بدون مؤلف، التقرير الإستراتيجي للمغرب 1995، مجلة أبحاث، عدد خاص، السنة الثالثة عشر 1996، ص 131-132.
(5) للمزيد من الإيضاح حول مقدمات النزاع وخلفياته راجع:
. محمد عنان، الصحراء المغربية حقيقة وتاريخ، م. س، ص 40 وما يليها.
. الصحراء المغربية، بدون مؤلف، الرباط، مطبعة الأنباء، نشر وزارة الدولة في الإعلام 1974، ص 5 وما يليها.
. عبد الوهاب بنمنصور، مع جلالة الملك الحسن الثاني في نواديبو، م. س،ص 5 وما يليها.
. حسن جدة: الصحراء المغربية وساقية الذهب المحتلة،”وارد في: تاريخ المغتربين العرب في العالم: صفحة من تاريخ، سجل من نضال، أثر من حضارة، دمشق، دار دمشق، 1974، ص ص 439-444.
. مجلة الفنون، عدد خاص عن المسيرة الخضراء 1976.
. محمد الخطيب، ” دور الصحراء في العلاقات المغربية الإسبانية”، مجلة الثقافة المغربية، العدد 2-3، السنة الأولى، غشت. شتنبر 1991، ص ص 82-106.
(6) انظر محمد العربي المساري، “الصدام بين الحق التاريخي وتقرير المصير”، شؤون مغربية، العدد 9، يوليوز 1996، المنشور بكتاب نفس المؤلف: المغرب ومحيطه، الجزء الأول،الرباط، مطبعة المناهل، 1998، ص 230.
(7) راجع لميني سعيدة، سياسة الحسن الثاني الدولية من خلال مؤلف “ذاكرة ملك”، رسالة لنيل دبلوم السلك العالي بالمدرسة الوطنية للإدارة العمومية، فوج 24، الرباط، دجنبر 1994، ص 54.
(8) عبد الحق المريني، قال جلالة الملك الحسن الثاني، الرباط، وزارة الدولة المكلفة بالإعلام،مطبعة الأنباء، مارس 1977، ص 142.
(9) انظر محمد العربي الخطابي، نضال المغرب في الحقل الدولي في سبيل استرجاع أراضيه المغتصبة، م. س، ص 167.
(10) “أدلة دامغة تؤكد مغرية الصحراء”، بدون ذكر اسم المؤلف، مجلة الأمن الوطني، العدد 196، السنة الثامنة والثلاثون، دجنبر 1998، ص 6.
(11) إن هذه الوثيقة الهامة المؤرخة في 14 دجنبر 1960، والتي تحدد الموقف العام للأمم المتحدة تجاه الاستعمار هي من صنع دول عدم الانحياز التي رسمت منهاجها السياسي الاقتصادي في مؤتمر بلغراد في شتنبر 1961، ومن أهم ما ينص عليه هذا التصريح: “تتخذ التدابير الفورية في الأراضي الموضوعة تحت الوصاية والأراضي التي لا تتحكم في أمورها بنفسها، وسائر الأراضي الأخرى التي لم تنل بعد استقلالها، وذلك لتفويت كل السلطات إلى شعوب هذه الأراضي، دون ميز قائم على السلالة أو المعتقد أو لون البشرة”. وأيضا، (كل محاولة لتدمير الوحدة الوطنية أو الأرضية لأحد الأقطار- جزئيا أو كليا- تعتبر منافية لأهداف ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه).
– انظر النص الكامل للإعلان في: عبد القادر القادري، مفاهيم القانون الدولــي، الــدار البيضاء، دار توبقــال للنشــر، 1990، الطبعـة الأولى، ص ص 81-82.
(12) من أهم هذه القرارات:
– القرار الذي اتخذته اللجنة الخاصة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في جلستها التاسعة والعشرين بتاريخ 16 أكتوبر 1964 بشأن منطقة سيدي إيفني والصحراء المغربيتين الخاضعتين للسيطرة الإسبانية.
– القرار عدد 2072 الذي صادقة عليه الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في 16 دجنبر 1965 المتعلق بمنطقة سيدي إيفني والصحراء المغربيتين الخاضعتين للسيطرة الإسبانية.
– القرار عدد 2229 (الدورة الحادية والعشرون) الذي صادقت عليه الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة بتاريخ 20 دجنبر 1966 المتعلق بمنطقة سيدي إيفني والصحراء المغربيتين الخاضعتين للسيطرة الإسبانية.
(13) والمتكون من ثلاثة أعضاء، وقد أرسلت بدعوة من مدريد من طرف لجنة تصفية الاستعمار، وقد قضت ثلاثة أسابيع تقريبا في المنطقة متنقلة بين إسبانيا، المغرب، الجزائر، موريطانيا، والصحراء:
– Voir: Maurice Barbier, l’ONU et le tiers monde, Paris, Berger-Levrault, 1976, P 421.
(14) وقد سلم مندوب المغرب الدائم في الأمم المتحدة السيد إدريس السلاوي يوم 25 فبراير 1975 إلى رئيس لجنة تصفية الاستعمار رسالة من حكومة صاحب الجلالة، يحتج فيها ضد المناورات التي تستعملها إسبانيا لتزييف المعطيات الحقيقية الموجودة في أقاليم الصحراء المغربية المحتلة. للإطلاع على نص هذه الرسالة راجع، وزارة الدولة المكلفة بالإعلام، “من أجل تحرير أراضينا المغتصبة: الصحراء، سبتة، مليلية، الجزر الجعفرية”، بدون ذكر اسم المؤلف، الرباط، مطبعة الأنباء، مارس 1975، ص 231.
(15) باهي محمد أحمد، آخر معارك التحرير في الصحراء المغربية، الرباط، مطبعة الأنباء، نونبر 1975، ص 18.
(16) انظر عبد الهادي التازي، دفاعا عن الوحدة الترابية للمملكة المغربية، الرباط، المعهد الجامعي للبحث العلمي، يوليوز 1980، ص 14.
(17) للاطلاع على مزيد من تفاصيل قضية الصحراء المغربية إبان الاستعمار الإسباني، أنظر:
. فوزي الجودة، الصحراء المغربية، م.س، ص ص 45-121.
. محمد أبو الفضل أحمد، “مستقبل العلاقـــات المغربية الإسبانية، ” السيــاســة الدولية، العــدد 107، ينـــاير 1992، ص ص223-227.
. محمد المريني، معــرب الصحـــراء الميـــلاد الجديد، الرباط، مطبعة الأفق، يناير 1992، الطبعة الأولى، ص ص 43-52.
. الحسن الثاني ملك المغرب، انبعاث أمة، الجزء التاسع عشر، الربــــاط، مطبوعات القصر الملكي 1974، ص ص 120-249.
. محمد لعسل العلوي، ” ملف الصحراء المغربية”، مجلة المقاومة وجيش التحرير، العدد 14، 1984، ص ص 94-96
. أحمد عسه، المعجزة المغربية، بيروت لبنان، دار القلم للطباعة، 1975 الطبعة الأولى ص ص 346-357.
. بطرس بطرس غالي، جامعة الدول العربية وتسوية المنازعات المحلية، القاهرة، معهد البحوث والدراسات العربية، 1977، ص ص 163-1978.
.عبد اللطيف جبرو، الحقيقة أولا ! مغرب الأمس القريب، الرباط، مطبعة الصومعة، 1999، ص ص 101-102.
* voir aussi:
– Nassir Boubker Seddik Najih, les acteurs de la politique étrangère marocaine: Etude de cas, du parti de l’Istiqlal, DES en droit public, Université Hassan II, Casablanca, 1978, P 188.
(18) Cf. Nicole Kasbaoui, les relations internationales maghrébines et le conflit du Sahara occidental (Essai d’analyse explicative de la conduite des trois acteurs principaux: Maroc, Mauritanie, Algérie), Casablanca, publications de la faculté des S.J.E.S, Série des thèses et mémoires, N° 1, (S.D), P 87.
(19) المادة الثانية من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، نيويورك، منشورات الأمم المتحدة، أبريل 1994.
(20 )انظر سعيد محمد أحمد باناجة، الوجيز في قانون المنظمات الدولية والإقليمية، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1985، الطبعة الأولى، ص 96.
(21) راجع محمد السعيد الدقاق، التنظيم الدولي، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة للنشر، 1990، ص 54.
(22) راجع منصور الفيتوري حامد، آليات التسوية السلمية للمنازعات في نطاق المنظمات الدولية (قضية الصحراء كنموذج)، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، المدرسة الوطنية للإدارة العمومية، السلك العالي الفوج 20، الرباط، السنة الجامعية 91/1992، ص 148.
(23) للتوسع أكثر حول الاختصاص الاستشاري للمحكمة، راجع تفاصيل الموضوع في مؤلف الدكتور أحمد حسن الرشيدي، الوظيفة الإفتائية لمحكمة العدل الدولية ودورها في تفسير وتطوير سلطات واختصاصات الأجهزة السياسية للأمم المتحدة، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993.
(24) مقتطف من الخطاب الملكي السامي الذي ألقي بالرباط بمناسبة الذكرى الواحدة والعشرين لثورة الملك والشعب بتاريخ 20 يوليوز 1974.
انظر، الحسن الثاني ملك المغرب،انبعاث أمة،الجزء التاسع عشر، الرباط، مطبوعات القصر الملكي، 1974، ص 138-139.
(25) راجع نص الخطاب الملكي السامي الذي ألقي بفاس بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين لمولد جلالته، بتاريخ 8 يوليوز 1974، انبعاث أمة، المرجع السابق، ص 122.
(26) مقتطف من العرض الذي افتتح به جلالة الملك الراحل الحسن الثاني الندوة الصحفية التي تحدث فيها عن الخلاف المغربي الإسباني بشأن الصحراء المغربية المحتلة، والمنعقدة بتاريخ 18 شتنبر 1974، بالرباط، انبعاث أمة، المرجع السابق، ص 154-155.
(27) مقتطف من كلمة وزير الخارجية المغربي في الدورة 29 للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 30 شتنبر 1974، راجع النص الكامل للخطاب في: فوزي الجودة،الصحراء المغربية، مرجع سابق، ص 139.
(28) مقتطف من رسالة وزير الخارجية المغربي لنظيره الإسباني بتاريخ 23 شتنبر 1974، م.س، ص 143.
(29) محمد بن محمد العلمي، “ملف الصحراء الذي طواه الأجانب ويأبى الأقربون أن يطوى”، مجلة الإحياء، المجلد الرابع الجزء الثاني، العدد الثاني، 1985، ص 43.
(30)Cf. Robert Resette, le Sahara occidental et les frontières marocaines, Paris Nouvelles éditions latines, 1975, P 155.
(31)Ibid, P 157
(32) Cf. Abdelmajid Smaïli, Sahara marocain: de la libération à la réunification, Casablanca, Sonir, 1985, P 17.
(33) تم تعيين السيد “ألفونس بوني” رئيس المحكمة العليا بساحل العاج قاض المناسبة لتجلس هيئة المحكمة مؤلفة من 16 قاضيا.
(34) أنظر بلقاسم كريمني، السيادة المغربية من خلال التسويات السلمية في القانون الدولي، المحمدية، مطبعة tضالة، 1998، الطبعة الأولى، ص 137.
(35) Voir: AAN 1975, 1976, P 459.
(36) Voir: ATM 1975-1976, 1977, TII, P 272.
(37) L’avis de la cour internationale de justice, (S.A), document sur Internet, voir le site Internet: www.mincom.gov.ma/french.
(38) للمزيد من الإيضاح حول مضمون الفتوى وأبعادها راجع:
. بلقاسم كريمني، السيادة المغربية من خلال التسويات السلمية في القانون الدولي، م.س، ص ص 143-154.
. عبد الله محمد القاق، الصحراء المغربية: حقائق… ووثائق، عمان، الأردن، مطــابع الدستـــــــور التجارية، 1998، ص ص 100-102.
. ابتسام قينران، اتفاق هيوستن ومسار مسلسل الاستفتاء في الصحراء المغربية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة الحسن الثاني كلية الحقوق بالدار البيضاء، دجنبر 1999، ص ص 23-29.
. عبد الوهاب بن منصور، ملف الصحراء المغربية الغربية أمام مؤتمر القمة العشرين لمنظمة الوحدة الإفريقية المنعقد بآديس أبابا يوم الاثنين 12 نونبر 1984، الرباط، المطبعة الملكية، 1984، ص ص 33-36 و ص ص 141-143.
. الطاهر النوفلالي، الصحراء المغربية بين مشروعية الاندماج ومشروع الانفصال، مراكش، المطبعة والوراقة الوطنية، 1997 ص ص 27-28.
. محمد ابن عزوز حكيم، السيادة المغربية في الأقاليم الصحراوية من خلال الوثائق المخزنية، الجزء الأول، الدار البيضاء، مؤسسة بنشرة للطباعة والنشر، 1981، ص 21.
.شوقي عطا الله الجمل، “مشكلة الصحراء المغربية: الجذور التاريخية للمشكلة وتطورها”، وارد في: مصر وإفريقيا، الجذور التاريخية للمشكلات الإفريقية المعاصرة. أعمال ندوة، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1996، ص 55.
. أحمد مجيد بن جلون، “الحسن الثاني مبدع المسيرة الخضراء”، وارد في: “جلالــة الملك الحسن الثانـــي ملك المملكة المغربيــة، الإنســان والملك، ” إعداد وإنجاز عبد الحق المريني، الرباط، وزارة الإعلام، 1985، ص 272.
Voir aussi:
– Mohamed Zneiber, Maroc et Sahara marocain: une décolonisation indivisible, (S.L). (S.M). (S.D), pp 22-40.
– Edouard Moha, Les relations Hispano Marocaines, Casablanca, EDDIF, Mai 1994, pp 98-100.
– Paul Isoart, “Reflexion sur les liens juridiques unissant le Maroc et le Sahara occidental”, RJPEN, N° 4, Juin 78, pp17-21.
– Opinion individuelle de M.I.FORSTER, Sahara: aspects historiques, juridiques et économiques, Rabat, ministère de l’information, (S.D) p 41.
(39) صوت لصالح السؤال الأول 13 صوتا ضد 3.
(40) المنشور في مجلة الفنون، عدد خاص عن المسيرة الخضراء، 1976، ص 124.
(41) الحسن الثاني ملك المغرب، التحدي، الرباط، المطبعة الملكية، 1983، الطبعة الثانية، ص 269-270.
(42) راجع محمد تاج الدين الحسيني، وسائل حفظ السلام في العلاقات الدولية المعاصرة ودورها في تسوية نزاع “الصحراء الغربية”، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام، جامعة محمد الخـامس، كلية الحقوق، الرباط، يونيو 1984 ص 141.
(43) مقتطف من الخطاب الملكي التاريخي الذي ألقاه في اليوم الذي أصدرت فيه محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري في 16 أكتوبر 1975، راجع النص الكامل للخطاب، مجلة الفنون، مرجع سابق، ص 18.
(44) راجع النص الكامل للخطاب، مجلة السياسة الدولية، ع 44، أبريل 1976، ص 240.
(45) مجلة الفنون، م.س، ص 120.
(46) نفس المرجع، ص 121.
(47) ويتعلق الأمر بالسيد مجيد بن جلون عضو الوفد المغربي بمحكمة العدل الدولية، نفس المرجع، ص 121.
(48) نفس المرجع، ص 122-123.
(49) نفس المرجع، ص 127.
(50) راجع حمداتي شبيهنا ماء العينين، قبائل الصحراء المغربية: أصولها، جهادها، ثقافتها، الرباط، المطبعة الملكية، 1998، ص 188.
(51) محمد تاج الدين الحسيني، وسائل حفظ السلام في العلاقات الدولية المعاصرة ودورها في تسوية نزاع “الصحراء الغربية”، م.س، ص 146.
(52) انظر إدريس السلاوي، “الحسن الثاني رجل القانون”، وارد في: جلالة الملك الحسن الثاني ملك المملكة المغربية، الإنسان والملك، م.س، ص 62.
(53) للمزيد من الإيضاح حول تقييم مضمون الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، راجع:
. يوسف الفاسي الفهري، الممارسة الاستفتائية في القانون الدولي العام، مثال الصحراء الغربية، رسالة السلك الثالث في القانون العام، جامعة محمد الخامس، الرباط، 1984، ص ص 72-80.
. أحمد السالمي الإدريسي، محاولة في مفهوم الروابط القانونية بين الدولة المغربية والأقاليم الصحراويـــة قبل 1912، رسالــة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، جامعة الحسن الثاني، كلية الحقوق، الدار البيضاء، فبرايـــر 1984، ص ص 3-8.
Cf. notamment:
– Maurice Flory, “L’avis de la cour international de justice sur le Sahara occidental”, AFDI, 1975, Paris, pp 253-277.
(54) الحسان بوقنطار، السياسة العربية للمملكة المغربية، باريس، مركز الدراسات العربية الأوربية، 1997، الطبعة الأولى، ص 132.
(55) انظر عبد الوهاب بن منصور، ملف الصحراء المغربية الغربية…، م. س، ص 37.
(56) انظر الطاهر النوفلالي، الصحراء المغربية بين مشروعية الاندماج ومشروع الانفصال، م. س، ص 28.
(57) راجــع محمد حمــادي العزيز، “… وانتصرت إرادة السلام…”، مجلة الفنون، عدد خاص عن المسيرة الخضراء، م.س، ص 139.
(58) راجع أحمد مجيد بن جلون، “الحسن الثاني مبدع المسيرة الخضراء ومحرر الصحراء”، وارد في: جلالة الملك الحسن الثاني ملك المملكة المغربية، الإنسان والملك، م.س، ص 276.
(59) Cf. Ali Yata, le Sahara occidental marocain à travers les textes, T1: de la revendication à la concrétisation 1973-1975, Casablanca, Ed Abeyance, 1982, P 369.
(60) راجع جريدة الصحيفة، العدد 853، بتاريخ 14 أكتوبر 1999.
وللإطلاع على كيف استوحى جلالة الملك الراحل فكرة تنظيم المسيرة الخضراء والتحضير لها في سرية تامة، راجع تصريحات جلالته في: الحسن الثاني، ذاكرة ملك، الشركة السعودية للأبحاث والنشر، (بدون ذكر مكان النشر)، 1993 الطبعة الثانية، ص 113-119.
(61) بلقاسم كريمني، السيادة المغربية من خلال التسويات السلمية في القانون الدولي، م س، ص 156.
(62) Voir. Hassan II présente la marche verte, Ouvrage collectif dirigé par: Daniel Bardonnet, Driss Bassri et autres , Paris, Plon, 1990, p 11.
(63) حيث جاء في هذا الخطاب الملكي: ‘‘.. بقي لنا أن نتوجه إلى أرضنا – الصحراء فتحت لنا أبوابها قانونيا – اعترف لنا العالم بأسره بأن الصحراء كانت لنا منذ قدم الزمن.. فواجبي الديني كخادم البلاد و خادم هذه الأمة و كأمير المؤمنين , وبما أن بيعتهم لي باقية في عنقهم. أنني أقوم بواجبي وألتحق بشعبي في الصحراء… لم يبق شعبي العزيز إلا شيء واحد , إننا علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه و من شرق المغرب إلى غربه، علينا، شعبي العزيز، أن نقوم كرجل واحد بنظام وانتظام لنلتحق بالصحراء لنحيي الرحم مع إخواننا في الصحراء. وكيف ستكون المسيرة؟ سيشارك في المسيرة 350 ألف من السكان… هذه عملية، شعبي العزيز، لا تقوم بها إلا دولة عريقة في المجد وفي النظام، مسيرة مضمون حسابها حتى من الوقيد و الشمع، مسيرة مضمون حسابها حتى من الرصاص و الدفاع عن النفس في حالة ما إذا واجهنا غير الأسبانيين، فإذا وجدنا غير الإسبانيين فإن المغرب لن يعترف لا بالسلم ولا بالمسالمة، بل أصبح في حالة استثنائية…‘‘
و انظر أيضا:
Abdelmajid Smaili, Sahara marocain: de la libération à la réunification, op. cit, p18.
(64) محمد زنيبر , ‘‘ لمحة عن مقاومة الصحراء المغربية لتوغل الاستعمارين الفرنسي والإسباني”، وارد في: المقاومة المغربية ضد الاستعمار، 1904-1955، أعمال ندوة أكاد ير، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 1977، ص64.
(65) نظرا لعدم القدرة على خوض المعركة عسكريا للاختلال الكبير الحاصل في ميزان القوى، بالإضافة إلى تشبت المغرب بنهجه السلمي لحل خلافاته الدولية.
(66) علال الأزهر، الصحراء المغربية: الوحدة و التجزئة في المغرب العربي، المحمدية، دار الخطابي للنشر، دجنبر 1988، الطبعة الأولى، ص123.
(67) أنظر، المغرب الجديد: المغرب في عشرين سنة من الاستقلال. مسيرة التحرير والتنمية , ( بدون ذكر اسم المؤلف ) , الرباط، طبع ونشر وزارة الدولة المكلفة بالإعلام، نونبر 1975، ص 181.
(68) انظر الحسن الثاني ملك المغرب، التحدي، م س، ص 277.
)69) Maurice Barbier, « Essai d’interprétation du conflit saharien , in: Enjeux sahariens (table ronde du CRESM, NOV 1981) , Paris, CNRS, 1984, p215.
)70) René – Jean Dupuy, « la marche verte », Revue Géopolitique, N° 57, 1997, pp 12-14.
(71) انظر فوزية أورخيص، المسيرة المعجزة، الصحراء المغربية، العدد 3579 , 7نونبر 1998.
Voir aussi: Mohamed Boughdadi, le passé et le présent marocain du Sahara, Casablanca, Editions Maroc-soir, 1998, p 299.
)72) Cf. Othman Bouabid ; « les prolongements diplomatiques de la marche verte », in: Hassan II présente la marche verte, Op. cit, p281.
(73) مقتطف من برقية ولاء وتهنئة وتبريك بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء إلى جلالة الملك الراحل من صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير سيدي محمد (صاحب الجلالة الملك محمد السادس حاليا)، جريدة الصحراء المغربية، العدد 7،3579 نونبر 1998.
(74) الرحالي الفاروق، ٌ تحية للعرش الذي ابتدع المسيرة الخضراء وانتزع الحواجز وفتح أبواب الصحراء ً، وارد في: الحركة العلمية بمراكش ابتداء من الثلاثينات، أعمال الندوة المنظمة بتاريخ 14-16 نونبر 1991، مراكش، مؤسسة أسمار، 1992، ص 266.
75)) Cf. Abdelmajid Samili, Sahara marocain ; de la libération à la réunification, op. cit. p 29.
(76) راجــع عبد الهادي مزراري , الصحراء المغربية قرار الملك و الشعب , الدار البيضاء , مطبعة النجاح الجديدة , 1997 , ص 68-69.
(77) Hassan II présente la marche verte , op.cit, p14.
(78) Cf. Driss Slaoui ,” le prolongement onusien de la marche verte “, in: HASSAN II présente la marche verte, op. cit. p 202.
(79) انظر الحسن الثاني ملك المغرب , التحدي ,م.س, ص283.
(80) راجع ابتسام قينران , اتفاق هيوستن ومسار مسلسل الاستفتاء في الصحراء المغربية , م.س, ص32.
(81) انظر محمد الأمين موسى , الحسن الثاني… دراسة في العبقرية، سلا , مطابع أمبيريال , غشت 1999 , الطبعــــة الأولى , ص 121.
(82) للاطلاع على النص الكامل للبيعة التي رفعها خطري ولد سعيد الجماني إلى جلالة المغفور له الحسن الثاني في 2 نونبر 1975, انظر , محمد أحمد باهي , الليث سيدي أحمد الركيبي , الرباط، مطابع أمبريال , 1999 الطبعة الثانية , 188-189.
(83) محمد تاج الدين الحسيني , وسائل حفظ السلام في العلاقات الدولية المعاصرة…، م. س, ص28.
(84) انظر بلقاسم كرمني، السيادة المغربية من خلال التسويات السلمية في القانون الدولي، م.س، ص 157.
(85) راجع لميني سعيدة، سياسة الحسن الثاني الدولية من خلال مؤلف ذاكرة ملك، م.س، ص 66
(86) راجع عبد الوهاب بن منصور، ملف الصحراء المغربية… م.س ص 48.
(87) للإطلاع على ظروف إبرام اتفاقية مدريد، راجع:
– Hassan II, le défi, Ed. Albin Michel, 1976, pp 175-188.
– Nicole Kasbaoui, les relations internationales magrhrebines et le conflit du Sahara occidental, Op.cit, pp 103-110.
(88) Cf. Mohamed LAMOURI, le contentieux relatif aux frontières terrestres du Maroc, (S.L) (S.M), 1979, p 177.
(89) انظر عبد السلام سفيري، الملف الدبلوماسي لنزاع الصحراء في إطار منظمة الوحدة الإفريقية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق بالرباط، يونيو 1981، ص 102.
(90) نفس المرجع، ص 101.
(91) نفس المرجع، ص 102.
(92) الذي تمثل أساسا في إبرام اتفاقيتين بتاريخ 16 أبريل 1976، الأولى تتعلق بتخطيط الحدود بين الدولتين، والثانية تتعلق بتعاونهما، بشأن استغلال الأراضي الصحراوية المسترجعة، أنظر النص الكامل للاتفاقيتين، الحسن الثاني ملك المغرب، انبعاث أمة، الجزء الحادي والعشرون، الرباط، مطبوعات القصر الملكي، 1976، ص ص 44-51.
(93) عبد السلام السفيري، الملف الدبلوماسي لنزاع الصحراء… م.س ص 103.
(94) انظر عبد الحق السعداني، أما حان الوقت للديبلوماسية المغربية أن تجعل حدا لجنايتها على مستقبل وحدة المغرب الترابية ؟، الرباط، مطبعة السلام، غشت 1980، ص 5.
(95) محمد ابن عزوز حكيم، السيادة المغربية في الأقاليم الصحراوية من خلال الوثائق المخزنية، م.س، ص 21.
(96) راجع نص الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب بتاريخ 20 غشت 1991، وارد في: الحسن الثاني ملك المغرب، انبعاث أمة، الجزء السادس والثلاثون، الرباط، مطبوعات القصر الملكي، 1991، ص ص 310-317.
(97) انبعاث أمة، الجزء الحادي والعشرون، م.س، ص 18.
(98) انظر جواب جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني عن سؤال يتعلق بتقرير المصير بالصحراء في حديثه الصحفي الذي أدلى به في الرباط لممثلي نادي الصحافة بباريس ليلة رحلته إلى فرنسا للقيام بزيارة رسمية، انبعاث أمة، الجزء الحادي والعشرون، م.س، ص 143.
(99) Cf. Abdelhaq Cheikh, la politique étrangère des partis politiques marocains: Ca du PPS, de l’Istiqlal et de l’USFP, DES en droit public université Mohamed V, Rabat, 1987, P 35.
Voir aussi ; la proclamation de Guelta signée le 28 novembre 1975: Elsa Assidon, Sahara occidental: un enjeu pour le nord-ouest africain, Paris librairie François Maspero, 1987, pp 155-156.

اقرأ أيضا

الأزمة الروسية-التركية: محددات التاريخ والجغرافيا والتطلعات لأدوار جديدة

العلاقات التركية-الروسية: ثِقَل التاريخ ومحددات الجغرافيا العارفون بتاريخ العلاقات التركية-الروسية سيقرأون حادثة إسقاط الطائرة الروسية …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *