مازالت ذاكرة البيضاويين، تسجل الصور الأولى للسوق المركزي، بشارع محمد الخامس في الدارالبيضاء، هذا المبنى التاريخي الذي صنفته وزارة الثقافة كتراث وطني، لميزاته الهندسية والمعمارية الفريدة، لكن تنقصه التهيئة وإعادة الهيكلة لمرافقه المتهالكة.
فالسوق المركزي، أو “مارشي سنطرال”، أنشئ سنة 1917 من قبل المهندس المعماري بيير بوكي الذي توفي سنة 1945، وسنة 1914، صدر القرار بتنقيل السوق البلدي الذي كان موجودا حينها في ساحة فرنسا سابقا، (ساحة الأمم المتحدة حاليا)، والمقر الجديد صار هو ذلك الذي أقيم فيه لمدة شهرين المعرض الفرنسي المغربي لسنة 1915، الذي أراده ليوطي مجالا لإنعاش الإمكانيات الاقتصادية للبلاد. وستعيد البناية بطابعها البسيط أسلوب الأسواق الحضرية التقليدية المغربية.
ويتضمن السوق في شكله المربع ذي الجبهة المتواصلة دكاكين تحت الأقواس على طول شارع محمد الخامس، أما في الداخل السوق المغطى تعلوه طارمة (بيت من الخشب مثل القبة) واسعة يحتلها بائعو الأسماك، والزقاق الداخلي الذي يسيجه محاط بالحوانيت.
أما الرطوبة والتهوية فتيسرها سقايات من الزليج التقليدي وكوى ضيقة تكسوها المشربيات من الإسمنت (عنصر معماري يتمثّل في بروز الغرف في الطابق الأول أو ما فوقه، يمتد فوق الشارع أو داخل فناء المبنى (في البيوت ذات الأفنية الوسطيّة).، وتستخدم المشربيات في القصور والبيوت التقليدية (المباني السكنيّة)، إلا أنها استُخدمت أيضا في بعض المباني العامة مثل المستشفيات وغيرها.
كما يتميز السوق المركزي بوجود ثمانية مداخل تمكن من عبور السوق في كافة الاتجاهات، وقد جرى حديثا تمييز المدخل الرئيس بتأطيرات منقوشة بالزليج الأخضر والأصفر.
وتسعى جمعية “كازا ميموار”، المهتمة بالمباني التاريخية إلى حماية المباني التاريخية في الدار البيضاء سواء المصنفة لدى وزارة الثقافة كتراث وطني أو غير المصنفة، ولأن “مارشي سنطرال” مصنف في هذا الإطار، فالجمعية تدعو في أكثر من مناسبة ة رد الاعتبار إليه
ويعد “مارشي سنطرال” من المعالم التاريخية المهمة في الدارالبيضاء، تحرص جمعية “كازا ميموار” على الحفاظ على مقوماته المعمارية، تفاديا لتهالكها وضياعها، إذ تحاول قدر الإمكان التعريف بأبعاد السوق الهندسية المعمارية والتاريخية للسوق وباقي المعالم الأخرى بالدارالبيضاء.
من جهة أخرى، ساعدت مدينة الدارالبيضاء في الترويج لأنماط تفكير معماري جديدة وفي نشر علم جديد خاص آنذاك بأوربا، ويتعلق الأمر بالتعمير، مقارنة مع بالمدن المغربية الأخرى، وتمثل الدارالبيضاء بعض الخصوصيات، فهي مدينة ملتقى طرق، تعكس تركيبا استثنائيا لعناصر متحدرة من ثقافات وعصور ونماذج ومبادئ نظرية مختلفة، وهذا التهجين الأصيل يتضح في مجالها الحضري والمعماري الذي يمنحها قيمة تراثية لا يمكن تجاوزها.
كما يمنح المجمل الحضري والمعماري للمدنية، تركيبا أصيلا لثلاثة ثقافات مختلفة نابعة من ثلاث قارات، الثقافة الإفريقية (بالتحديد المغاربية)، والثقافة الأوروبية، والثقافة الأمريكية، فرادة المباني، التي هي نتيجة انصهار إبداعي لين تأثيرات الثقافات الثلاثة، وهندستها المختلفة، وتمثل بشكل كامل هذه التبادلات وهذا التهجين الثقافي، الذي مكن المهندسين من تشييد مبان توافق
الحداثة والتكنولوجيا في عصرها.
وتشكل الدارالبيضاء مدينة يوجد داخلها تركيز مهم لمباني شيدت على نمط “الآر ديكو”، والهندسة الوظيفية، والمعاصرة الطليعية، إذ كانت المدينة في القرن العشرين مجالا للتجريب بالنسبة للهندسة والتعمير، استفادت من المعرفة المحلية للفنون التقليدية (الزليج، النحت على الخشب، والجبص)، والتيارات الدولية (معرض فنون الديكور 1925، المؤتمر الدولي للهندسة المعاصرة من 1928 إلى 1958) والتكنولوجيات المجددة كالإسمنت المسلح.
كما تمزج المباني بعض الزخرفة والتجهيز (الأسطح، الشرفات، الأروقة) المرتبطة بالثقافة المغربية وعناصر هندسية مجددة جاءت من أوربا ومن الولايات المتحدة الأمريكية (مصب النفايات، التهوية، الرافعات).